ملف سلاح حزب الله يُشعل التوتر مجددًا بين بيروت وطهران

في تصعيد دبلوماسي جديد، دعت وزارة الخارجية اللبنانية سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية في بيروت، مجتبى أماني، إلى ضرورة الالتزام الكامل بالأصول الدبلوماسية المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، وذلك على خلفية تصريحات صدرت عنه مؤخرًا بشأن ملف سلاح «حزب الله»، أثارت موجة من الجدل داخل الأوساط السياسية اللبنانية.
وأكدت الخارجية اللبنانية في بيان رسمي أنها استدعت السفير أماني لتقديم احتجاج رسمي على هذه التصريحات، التي اعتبرتها تدخلاً غير مقبول في الشأن اللبناني الداخلي، وانتهاكًا صريحًا لمبدأ سيادة الدول، وهو أحد الأعمدة الأساسية في العلاقات الدولية.
السفير يعتذر عن الحضور.. وموعد جديد للاستدعاء
وكان من المفترض أن يلتقي السفير الإيراني مجتبى أماني، الثلاثاء الماضي، مع أمين عام وزارة الخارجية اللبنانية لتبلّغ موقف بيروت الرسمي، في ظل غياب وزير الخارجية يوسف رجي الذي كان خارج البلاد حينها، إلا أن أماني لم يحضر في الموعد المحدد يوم الأربعاء، حيث اعتذر عن الحضور لأسباب لم يتم توضيحها.
وأشارت الوزارة إلى أنه تم تحديد موعد جديد للسفير لتلبية الدعوة، في إطار التعامل الرسمي والديبلوماسي مع الموضوع، مؤكدة أن لبنان حريص على احترام العلاقات الثنائية، ولكنه يرفض في المقابل أي مساس بسيادته أو تدخل في شؤونه الداخلية من قبل أي طرف خارجي.
تصريحات أثارت الجدل
جاء استدعاء السفير الإيراني على خلفية تصريحاته في مقابلة مع قناة «الجديد» اللبنانية، والتي تناول فيها ملف نزع سلاح حزب الله، مؤكدًا أن إيران لا تفرض رؤيتها على الداخل اللبناني، وأنها تلتزم بما يتفق عليه اللبنانيون بشأن هذا الملف الحساس.
ورغم ما يبدو من نبرة تهدئة في تصريحاته، فإن مجرد تعليقه على قضية تُعتبر من أكثر القضايا خلافًا في لبنان، أعاد إلى الواجهة الجدل الدائم حول دور إيران في دعم حزب الله، ومدى تأثير هذا الدور على الاستقرار السياسي والسيادي في البلاد.
تأكيد لبناني على احترام السيادة
في ذات السياق، شددت وزارة الخارجية اللبنانية على ضرورة أن يلتزم السفراء المعتمدون لديها بما تنص عليه الأعراف الدبلوماسية، مشيرة إلى أن الاتفاقيات الدولية، لا سيما اتفاقية فيينا لعام 1961، تمنع بشكل صريح أي تدخل في الشؤون الداخلية للدول المضيفة.
وذكّرت الوزارة بأن لبنان دولة ذات سيادة كاملة، وأنه رغم التقدير للعلاقات التاريخية بين بيروت وطهران، فإن التعبير عن مواقف سياسية في قضايا لبنانية خالصة يُعد خروجًا عن الدور المسموح به دبلوماسيًا.
ردود فعل محلية متفاوتة
أثارت هذه الخطوة الرسمية من الخارجية اللبنانية ردود فعل متباينة على الساحة السياسية. فقد رحبت بها بعض القوى السياسية التي تطالب بفصل السياسة اللبنانية عن المحاور الإقليمية، معتبرة أن الاستدعاء رسالة واضحة بأن لبنان لن يقبل بأي شكل من أشكال التوصية أو الوصاية.
في المقابل، قللت بعض الأطراف من أهمية الخطوة، مشيرة إلى أن الموقف الإيراني كان “تصالحيًا” وليس تدخليًا، وأن التصريحات لا تتجاوز الخطوط الدبلوماسية التقليدية.
إيران ترد.. لا نتدخل في الشؤون اللبنانية
من جهته، أوضح السفير الإيراني أماني في تصريحاته لقناة «الجديد» أنه تلقى الاستدعاء رسميًا من الخارجية اللبنانية، وأنه أبلغ اعتذاره عن عدم الحضور في الموعد المحدد، دون أن يُحدّد موعدًا بديلًا.
وأكد أن بلاده "تدعم ما يتفق عليه اللبنانيون فيما يخص القضايا الداخلية، بما في ذلك ملف سلاح حزب الله"، موضحًا أن إيران لا تفرض شيئًا على أي طرف لبناني، بل تسعى دائمًا إلى احترام إرادة الشعب اللبناني ومؤسساته.
العلاقات الإيرانية اللبنانية في ميزان التوازن
تأتي هذه الحادثة في وقت دقيق تمر فيه العلاقات الإقليمية بتحولات متسارعة، ويُعد ضبط العلاقة بين بيروت وطهران تحديًا مستمرًا للديبلوماسية اللبنانية التي تسعى إلى تحقيق التوازن بين الحفاظ على علاقات خارجية قوية، وفي الوقت ذاته صون السيادة الوطنية وعدم السماح بأي تدخل خارجي.
وفي انتظار ما ستُفضي إليه اللقاءات القادمة، يبقى ملف العلاقات اللبنانية الإيرانية مفتوحًا، محكومًا بمواقف سياسية داخلية متباينة، وتحولات إقليمية تفرض على بيروت أن تُعيد تموضعها بسياسة حذرة وديبلوماسية مرنة.