الإفتاء تحسم الجدل.. هل تُشرع «صلاة عيد الأضحى» للحاج

صلاة عيد الأضحى لا تزال تثير تساؤلات عديدة بين الحجاج وغيرهم، وقد أوضحت دار الإفتاء المصرية من خلال منصتها الرسمية أن «صلاة العيد» ليست من الواجبات المفروضة على الحاج خلال وجوده في المشاعر المقدسة يوم النحر، إذ يغلب عليه الانشغال بأداء مناسك الحج المتعددة في هذا اليوم الذي يُعد من أعظم أيام العام.
وبينت دار الإفتاء أن ترك صلاة العيد في هذه الحالة لا يُعد تفريطًا أو مخالفة شرعية، بل هو أمر مبرر ومفهوم في ضوء انشغال الحاج بما هو أولى وأوجب من الطواف والرمي والنحر وغيرها من شعائر يوم النحر، ومع ذلك فإن من أراد أداء «صلاة عيد الأضحى» من الحجاج فله ذلك شريطة أن تكون فرادى وليس جماعة.
الإفتاء تؤكد.. صلاة العيد سنة مؤكدة لا فرض
أكدت دار الإفتاء المصرية أن «صلاة العيد» في الأصل سنة مؤكدة واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، وقد دل على مشروعيتها قوله تعالى في سورة الكوثر «فصلِّ لربك وانحر»، فالصلاة والنسك اجتمعا في هذا السياق العظيم، ما يدل على أهمية إقامة الشعائر في يوم العيد سواء بالنسبة للحاج أو لغيره.
وأوردت الدار استشهادًا بحديث الصحابي طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أن رجلًا جاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أركان الإسلام، فأجابه النبي أن عليه «خمس صلوات في اليوم والليلة»، ولما سأله الرجل هل عليه غيرها؟ قال له النبي: «لا، إلا أن تطوع»، وهو ما يدل على أن «صلاة العيد» ليست من الفروض الواجبة بل من السنن المؤكدة.
أقوال الفقهاء في حكم صلاة العيد
نقلت دار الإفتاء عن الإمام الحافظ ابن المنذر في كتابه “الأوسط” ما يفيد بأن «صلاة العيد» من النوافل وليست من الفرائض، بل إن من تركها لا يؤثم، وإنما يفوته الأجر والفضل، وهو ما أجمع عليه جمهور العلماء من المذاهب الأربعة، كما أشار الخطيب الشربيني في كتابه “مغني المحتاج” إلى أن «صلاة العيد» مشروعة لكنها ليست من فروض الأعيان، وهذا ما يدعم قول دار الإفتاء بأن الحاج لا يُطلب منه أداؤها إذا كان مشغولًا بالمناسك.
أحكام وآداب صلاة العيد لغير الحاج
وعلى الجانب الآخر، أوضحت دار الإفتاء أن «صلاة العيد» لغير الحاج مستحبة ومؤكدة للغاية، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجال والنساء بالخروج إليها، حتى المرأة الحائض يندب لها أن تخرج لسماع الخطبة دون أن تصلي، وهذا يدل على البعد الجماعي للشعيرة وعلى أهميتها المجتمعية، وهو ما يعزز من حضورها في الحياة الدينية للمسلمين.
وأكدت الإفتاء أن من السُّنن المحببة لمن يذهب لأداء «صلاة العيد» أن يحرص على الاغتسال ولبس أحسن الثياب، كما يُستحب للنساء أن يلتزمن بالحشمة وعدم إظهار الزينة أو التبرج، وأن يحرص الجميع على غض البصر، تحقيقًا لهدف الطهارة الروحية والاجتماعية في هذا اليوم المبارك.
آداب الطريق إلى مصلى العيد
أشارت دار الإفتاء إلى سنة مهمة يغفل عنها كثير من الناس وهي سنة مخالفة الطريق، بمعنى أن يذهب الشخص لأداء «صلاة العيد» من طريق ويعود من طريق آخر، وقد ثبت ذلك عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا خرج إلى العيد خالف الطريق، وهو حديث رواه البخاري، وتعلل الإفتاء الحكمة من ذلك بأن الطرق تشهد لمن مر بها من العابدين، وتتنزل فيها الملائكة تسلم وتستغفر للمصلين.
صلاة العيد في ظل الحج بين العبادة الفردية والجماعية
توضح هذه الفتوى الصادرة عن دار الإفتاء أن «صلاة العيد» ليست عبادة معزولة بل جزء من منظومة شعائرية كبرى تبرز في أيام العيد والحج، وأن الحكم يختلف بحسب الحالة، فبينما تُعد صلاة العيد سنة مؤكدة في حق غير الحاج، فإن الحاج ينشغل بما هو أولى منها، ما يبرر سقوطها عنه دون أدنى حرج شرعي، ومن هنا تأتي عظمة هذا الدين الذي يراعي أحوال الناس وواقعهم دون أن يُقصر في بيان الأفضل.
الإفتاء تحسم الجدل وتوضح موقف الشريعة من صلاة العيد للحاج
بهذا البيان، تكون دار الإفتاء قد حسمت أحد الأسئلة المتكررة في كل موسم حج، وأوضحت أن من أولويات الفقه الإسلامي أن يراعي الواقع العملي للحاج، وأن يوازن بين «صلاة العيد» من جهة وبين أداء مناسك النحر والطواف والسعي من جهة أخرى، دون أن يكون هناك إلزام أو تشدد، وهو ما يتسق مع جوهر الشريعة الإسلامية في التيسير وعدم الحرج.
شعيرة العيد دعوة للفرح والتنظيم الروحي
لا شك أن «صلاة العيد» تمثل رمزًا من رموز الفرح الجماعي والطاعة الروحية، وهي فرصة لكل مسلم ليجدد علاقته بخالقه من خلال مظاهر جماعية مفعمة بالإيمان والمودة، وبينما تسقط هذه الشعيرة عن الحاج انشغالًا بمناسكه، تظل قائمة وبقوة في حياة المسلمين حول العالم، تجمع القلوب وتوحد الصفوف، لتكون كل عيد فرصة جديدة للتطهر والتواصل والانطلاق نحو ما هو أسمى.
بهذا يتبين أن «صلاة عيد الأضحى» ليست مجرد ركعتين بل شعيرة تربوية وروحية عظيمة، تُعزز مفاهيم الطاعة والفرح والانتماء، وتؤكد أن الإسلام دين رحمة وتوازن، يعرف متى يأمر ومتى يُرشد ومتى يُفسح المجال للاجتهاد والرخصة.