هل تغني شنطة رمضان عن زكاة الفطر؟.. تعرف على الشرعي

مع اقتراب عيد الفطر كل عام، يتساءل كثير من المسلمين عن جواز إخراج زكاة الفطر على هيئة “شنطة رمضان” التي تحتوي على مواد غذائية متنوعة، بدلًا من إخراجها في صورة أموال أو الحبوب المنصوص عليها شرعًا، وهو ما يدفع إلى البحث في رأي الفقهاء حول هذه المسألة وما إذا كانت هذه الطريقة تُجزئ عن الزكاة أم لا.
رأي جمهور العلماء في إخراج زكاة الفطر طعامًا
يرى جمهور الفقهاء أن زكاة الفطر يجب أن تُخرج من غالب قوت أهل البلد، أي من الطعام الأساسي الذي يعتمد عليه الناس في معيشتهم، مثل القمح أو الأرز أو الذرة أو التمر، وذلك استنادًا إلى الأحاديث النبوية التي حددت الزكاة بهذه الأصناف، وعليه فإن إخراج زكاة الفطر على هيئة مواد غذائية جائز شرعًا إذا كانت هذه المواد من القوت الأساسي للناس.
إذا كانت شنطة رمضان تحتوي على هذه الأطعمة، وبالقدر المحدد شرعًا وهو ما يعادل ثلاثة كيلوجرامات تقريبًا من الطعام عن كل فرد، وكانت تُوزع فقط على الفقراء والمحتاجين الذين يستحقون الزكاة، فإنها تُجزئ عن زكاة الفطر وفقًا لرأي جمهور العلماء.
ضرورة التأكد من وصول الزكاة إلى مستحقيها
على الرغم من جواز إخراج زكاة الفطر على هيئة طعام، إلا أن هناك إشكالية تتعلق بطريقة توزيع شنطة رمضان، حيث إن هذه الشنط تُوزع أحيانًا دون تدقيق في وصولها إلى الفقراء المستحقين، مما قد يؤدي إلى ضياع الزكاة وعدم تحقيق الهدف الأساسي منها، وهو سد حاجة الفقراء قبل يوم العيد، لذلك يشدد العلماء على ضرورة التأكد من وصول الزكاة إلى مستحقيها لضمان صحتها.
هل يجوز إخراج زكاة الفطر نقدًا؟
يرى بعض العلماء، وعلى رأسهم فقهاء المذهب الحنفي، أن إخراج زكاة الفطر نقدًا جائز، حيث إن الفقير قد يكون بحاجة إلى المال أكثر من حاجته إلى الطعام، فقد يرغب في شراء احتياجات أخرى ضرورية لا توفرها له المواد الغذائية، لذلك فإن إخراج الزكاة نقدًا يُحقق مصلحة الفقراء بشكل أفضل في بعض الحالات.
وبناءً على هذا الرأي، إذا كانت قيمة شنطة رمضان تساوي الحد الأدنى لقيمة زكاة الفطر المحددة من قبل دور الفتوى، فإنها تجزئ عن الزكاة عند من يأخذ بهذا القول، وهو ما تعمل به دار الإفتاء المصرية التي أجازت إخراج زكاة الفطر في صورة أموال أو مواد غذائية يحتاجها الفقراء، وذلك مراعاةً لمصالح المحتاجين.
متى يجب إخراج زكاة الفطر؟
أما عن توقيت إخراج زكاة الفطر، فقد اختلف الفقهاء في تحديد الموعد المفضل لها، حيث يرى المالكية والحنابلة أنه يجوز إخراجها قبل العيد بيومين فقط، بينما يذهب الشافعية والحنفية إلى أنه يمكن تعجيل إخراجها منذ أول يوم في رمضان، وذلك حتى يتمكن الفقراء من الاستفادة منها مبكرًا.
وفي هذا السياق، أوضح الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أنه يُفضل رأي الإمام أبي حنيفة، الذي أجاز إخراج زكاة الفطر نقدًا، مؤكدًا أن الزكاة مرتبطة بشهر رمضان، وبالتالي يجوز إخراجها في أي وقت خلال الشهر الكريم حتى قبل صلاة العيد.
يظل الجدل قائمًا بين جواز إخراج زكاة الفطر طعامًا أو نقدًا، إلا أن الأمر الأساسي الذي يجب مراعاته هو تحقيق الغاية المرجوة من هذه الفريضة، وهي سد حاجة الفقراء قبل يوم العيد، ولذلك فإن التأكد من وصول الزكاة إلى مستحقيها يظل هو الأهم، بغض النظر عن شكلها، سواء كانت في صورة طعام أو أموال.
موعد وجوب زكاة الفطر وفقًا للمذاهب الفقهية
تُعد زكاة الفطر واجبة شرعًا عند دخول فجر يوم العيد وفقًا لما ذهب إليه فقهاء المذهب الحنفي، بينما يرى فقهاء المذهب الشافعي والحنبلي أن وجوبها يبدأ مع غروب شمس آخر يوم من شهر رمضان، أما وفقًا للمذهب المالكي والمذهب الحنبلي فقد أجاز الفقهاء إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين استنادًا إلى ما ورد عن الصحابي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، حيث قال: “كانوا يعطون صدقة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين”.
وبناءً على ذلك، فمن الممكن إخراج زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين وفقًا لما ثبت من السنة النبوية وأقوال الصحابة، إلا أن هناك آراء أخرى تجيز تعجيل إخراجها قبل هذا الموعد وفقًا للظروف التي يراها المزكي مناسبة.
حكم تعجيل إخراج زكاة الفطر من بداية رمضان
أكدت دار الإفتاء المصرية أنه لا مانع شرعًا من تعجيل إخراج زكاة الفطر منذ بداية شهر رمضان، وذلك وفقًا لما ذهب إليه فقهاء المذهب الشافعي والمصحح عند الحنفية، حيث يرون أنه يجوز للمسلم إخراج الزكاة من أول الشهر الكريم دون انتظار اقتراب العيد، كما أن هناك رأيًا داخل المذهب الشافعي يجيز إخراجها ابتداءً من أول يوم في رمضان، وليس فقط من أول ليلة، بل ذهب بعض الفقهاء إلى القول بجواز إخراجها قبل حلول شهر رمضان ذاته، غير أن هذا الرأي أقل انتشارًا بين العلماء.
وقد أوضحت دار الإفتاء أن تعجيل إخراج الزكاة قد يكون مفيدًا في بعض الحالات، خاصة إذا كان هناك حاجة ماسة لدى الفقراء والمساكين في بداية الشهر الكريم، حيث يمكنهم الاستفادة من هذه الأموال لشراء احتياجاتهم الأساسية والاستعداد لشهر الصيام بشكل أفضل، لذا يُعد التعجيل في هذه الحالة أمرًا مشروعًا لا حرج فيه.
حكم إخراج زكاة الفطر نقدًا بدلاً من الحبوب
من المسائل التي تثار كل عام حول زكاة الفطر مسألة جواز إخراجها نقدًا بدلًا من الحبوب، وقد أوضح الفقهاء أن الأصل في الزكاة أن تُخرج من غالب قوت أهل البلد، وهو ما كان متبعًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم حيث ورد أن الواجب فيها هو نصف صاع من القمح أو دقيقه أو سويقه، أو صاع من التمر أو الشعير، إلا أن المذهب الحنفي أجاز دفع قيمة الزكاة نقدًا بأي عملة متداولة في المجتمع، وذلك استنادًا إلى الحكمة من فرضها، وهي تحقيق كفاية الفقير وتلبية احتياجاته الأساسية، وهو ما يمكن تحقيقه بالمال تمامًا كما يتحقق بالطعام.
وقد استند فقهاء الحنفية إلى ما ورد عن الإمام السرخسي في كتابه “المبسوط”، حيث ذكر أن أداء القيمة في زكاة الفطر جائز لأن المقصود منها هو إغناء الفقراء وسد حاجتهم، وهو ما يتحقق بالمال بنفس درجة تحقق ذلك بالحصول على الحبوب أو الطعام.
آراء الفقهاء في جواز إخراج زكاة الفطر نقدًا
لم يقتصر القول بجواز إخراج زكاة الفطر نقدًا على مذهب الحنفية فقط، بل تبنى هذا الرأي عدد من كبار التابعين والفقهاء مثل الحسن البصري، وعمر بن عبد العزيز، وأبو إسحاق السبيعي، وسفيان الثوري، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، حيث أجازوا إخراج الزكاة نقدًا متى اقتضت الحاجة والمصلحة ذلك، كما أيد شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الرأي، حيث رأى أنه إذا كان الفقير يستفيد أكثر من المال بدلاً من الطعام، فإن إعطاءه نقدًا يكون أفضل، ونُقل عن الإمام أحمد بن حنبل قولٌ يؤيد هذا الاتجاه في حال كانت هناك منفعة حقيقية للفقير.
رأي دار الإفتاء المصرية في إخراج زكاة الفطر نقدًا
ترى دار الإفتاء المصرية أن إخراج زكاة الفطر نقدًا هو الأنسب لمصلحة الفقراء في العصر الحالي، حيث أصبح المال أكثر قدرة على تلبية احتياجاتهم الأساسية، كما أنه الأيسر على المزكي، مما يضمن وصول الزكاة إلى مستحقيها بشكل أكثر فعالية، وقد جرى العمل بهذا الرأي في الفتوى المعاصرة، حيث اعتمدت دار الإفتاء على مذهب الحنفية وآراء عدد من الفقهاء الذين رأوا أن تحقيق مصلحة الفقير هو الهدف الأساسي من الزكاة، وهو ما يمكن تحقيقه بالنقد بشكل أكثر ملاءمة لاحتياجات الناس الحالية.
زكاة الفطر فريضة شرعية تفرض على كل مسلم قادر، وهي وسيلة للتكافل الاجتماعي وتحقيق التوازن بين أفراد المجتمع خلال شهر رمضان المبارك، وقد حددت دار الإفتاء المصرية قيمتها لهذا العام بما لا يقل عن 30 إلى 35 جنيهًا للفرد، مع إمكانية تعجيل إخراجها منذ بداية رمضان وفقًا لرأي الشافعية والحنفية، كما أجازت إخراجها نقدًا بدلًا من الحبوب تماشيًا مع الفتوى المعتمدة على مذهب الحنفية وآراء عدد من التابعين والفقهاء، مما يسهم في تحقيق الغاية الأساسية من الزكاة وهي سد حاجة الفقراء وإعانتهم على أعباء الحياة.