هل الصلاة على النبي بالتشهد واجبة لصحة الصلاة؟ الإفتاء توضح الحكم الشرعي
الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي العبادة التي يتقرب بها المسلم إلى ربه يوميًا، ما يجعلها تتطلب فهمًا عميقًا لأحكامها لضمان صحتها وقبولها، في هذا السياق، قدمت دار الإفتاء المصرية توجيهات هامة حول بعض الأحكام المتعلقة بالصلاة، خاصة ما يتعلق بالصلاة على النبي وآل بيته -صلى الله عليه وسلم- في التشهد، وفقًا للمذهب الشافعي.
خلال بث مباشر عبر الصفحة الرسمية لدار الإفتاء على منصة "فيسبوك"، أوضح الشيخ أحمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن الصلاة الإبراهيمية في التشهد تُعد ركنًا أساسيًا لا يمكن تجاوزه في المذهب الشافعي، وتركها يؤدي إلى بطلان الصلاة، وأكد الشيخ وسام أن ذكر آل بيت النبي -عليهم السلام- وأولياء الله الصالحين مشروع ومحبب في كل صلاة، مشيرًا إلى أن الإمام الشافعي -رضي الله عنه- شدد على أهمية الالتزام بهذه الصيغة العظيمة التي تحمل معاني التضرع والامتثال لأمر الله تعالى.
وأشار وسام إلى الصيغة الإبراهيمية التي نص عليها المذهب الشافعي، وهي: "اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد"، وأوضح أن هذه الصيغة ليست مجرد كلمات تتلى، بل هي تجسيد لمحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- وآل بيته الكرام، وتعكس ارتباط المسلم بدينه وتعظيمه لشعائر الله.
وفي سياق آخر مرتبط بأحكام الصلاة، تناول الدكتور عويضة عثمان، مدير الفتوى الشفوية بدار الإفتاء، موضوع تكبيرة الإحرام وأهميتها كشرط أساسي لصحة الصلاة، وأكد الدكتور عويضة أن الصلاة لا تُدرك بدون هذه التكبيرة، التي تُعد المفتاح الذي يفتتح به المسلم صلاته ويعلن فيها وقوفه بين يدي الله، وبيّن أن المأموم إذا أراد اللحاق بالإمام في الركوع، فعليه أن ينطق أولاً بتكبيرة الإحرام قبل أن يركع، وإذا ركع مباشرة بعد التكبيرة دون أن يأتي بتكبيرة خاصة للركوع، فلا شيء عليه.
كما شدد الدكتور عويضة على أن الركعة لا تُعتبر مُدركة إلا إذا ركع المأموم مع الإمام واطمأن في الركوع قبل أن يرفع الإمام رأسه، وأما إذا لحق المأموم بالإمام وهو يرفع من الركوع، فإن عليه قضاء هذه الركعة لاحقًا بعد انتهاء الصلاة.
هذه التوضيحات تأتي في إطار الجهود المتواصلة التي تبذلها دار الإفتاء المصرية لتقديم الإرشاد الصحيح للمسلمين حول الأحكام الشرعية، خاصة ما يتعلق بالصلاة، ومن خلال الإجابة على استفسارات الجمهور، تهدف دار الإفتاء إلى إزالة أي غموض يحيط بهذه العبادة العظيمة، وضمان أدائها وفقًا لما جاء به الشرع الحنيف.
إن هذه الجهود تعكس أهمية الرجوع إلى المصادر الشرعية الموثوقة لفهم الأحكام الدينية، ما يسهم في تعزيز الالتزام بأداء الفرائض بشكل صحيح، وفي هذا السياق، تبرز الصلاة على النبي وآل بيته -صلى الله عليه وسلم- في التشهد كجزء لا يتجزأ من أركان الصلاة في المذهب الشافعي، لما لها من فضل كبير وأثر عظيم في روحانية المسلم وصحة عبادته.
حكم قصر الصلاة للمسافر
وفي سياق أخر أثار موضوع قصر الصلاة للمسافر تساؤلات كثيرة بين المسلمين، خاصة حول التوقيت الصحيح لبدء القصر، وأوضحت دار الإفتاء المصرية، عبر تصريحات للدكتور محمود شلبي، أمين لجنة الفتوى، أن هذه الرخصة الشرعية لا تبدأ إلا بعد مغادرة المسافر حدود مدينته تمامًا.
في تفسيره لهذه المسألة، أكد الدكتور شلبي أن قصر الصلاة يُعد رخصة شرعية منَّ الله بها على عباده للتخفيف عنهم أثناء السفر، واستند في ذلك إلى قوله تعالى في سورة النساء: "وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ" (النساء: 101)، كما أشار إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ"، ليبرز أهمية الالتزام بالشروط التي وضعها الشرع للاستفادة من هذه الرخص.
وأضاف الدكتور شلبي أن القصر لا يجوز أثناء وجود الشخص في منزله أو داخل حدود مدينته، مهما كانت نيته للسفر، وأوضح أن المسافر يحتاج إلى مغادرة نطاق مدينته بالكامل ليدخل في حكم السفر، وهو الشرط الأساسي الذي يتيح له قصر الصلاة، وشدد على أن مسافة السفر التي تجيز القصر لا تقل عن 80 كيلومترًا، وهي ما يُعرف بمسافة القصر في الفقه الإسلامي.
من جانبه، تناول مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية القضية ذاتها، مشيرًا إلى أن القصر والجمع بين الصلوات هما من التيسيرات المشروعة أثناء السفر الطويل، الذي يتجاوز مسافة 85 كيلومترًا تقريبًا، وأكد المركز أن الجمع والقصر لا يجوزان إلا بشروط معينة، أهمها أن يغادر المسافر حدود مدينته فعليًا، وأن ينوي الجمع قبل أداء الصلاة الأولى إذا كان سيجمع تقديمًا، أو أثناء الوقت الفاصل بين الصلاتين إذا كان سيجمع تأخيرًا.
وفيما يتعلق بالسفر الذي ينتهي قبل دخول وقت الصلاة الثانية، أوضحت لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية أن الصلاة التي أداها المسافر باستخدام رخصة الجمع والقصر تُعد صحيحة إذا التزم بالشروط الشرعية، حيث يُعتبر وقت الصلاة بالجمع وقتًا واحدًا ممتدًا، ولا يلزمه إعادة الصلاة عند عودته.
إلى جانب ذلك، تطرقت اللجنة إلى أهمية فهم المسلمين لحكمة الرخص الشرعية، مشددة على أن هذه التيسيرات تُظهر رحمة الله بعباده وتيسيره عليهم، لكنها مشروطة بالتزامهم بالضوابط التي وضعها الشرع، فالقصر والجمع ليسا رخصة عامة تُستخدم في أي وقت، بل هما رخصة مرتبطة بمواقف وظروف محددة، مثل السفر الطويل والمشقة المصاحبة له.
وأكدت دار الإفتاء ومركز الأزهر على ضرورة توخي الدقة في فهم الأحكام الشرعية المرتبطة بالسفر، مع الإشارة إلى أن الهدف من هذه الرخص ليس التخفيف المفرط دون مبرر، بل التيسير بما يتناسب مع الحالة التي يمر بها المسافر، كما حثت الجهات المعنية المسلمين على الرجوع إلى العلماء والمختصين في الفقه للحصول على الإرشادات الصحيحة التي تضمن لهم أداء عباداتهم على الوجه الذي يرضي الله.
تُعد رخصة قصر الصلاة مثالاً حيًا على رحمة الإسلام وتيسيره على المسلمين، لكن تطبيقها يتطلب الالتزام بالشروط والضوابط الشرعية لضمان صحتها، لذا على كل مسلم أن يحرص على التعرف على هذه الأحكام وفهمها جيدًا، ليس فقط لأداء العبادة بشكل صحيح، بل أيضًا لتعظيم الشعور بالطمأنينة والراحة أثناء ممارسة شعائر الدين.