ما هو القنوت وما حكمه في صلاة الفجر؟.. رد مفصل من الإفتاء

قالت «الإفتاء» المصرية إن حكم دعاء القنوت في صلاة الفجر يُعد من «السُّنن النبوية» المؤكدة التي اتبعها كثير من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم من كبار علماء الأمة في مختلف الأمصار، مؤكدة أن المسألة لا يجب أن تتحول إلى مجال للخلاف أو التنازع بين المسلمين، بل يجب احترام الآراء المعتبرة داخل المذاهب الفقهية دون تعصب أو جدال.
القنوت سنة عند جمهور العلماء
أوضحت «الإفتاء» أن العديد من أئمة السلف من الصحابة الكرام ومن تبعهم بإحسان قد حافظوا على هذا الدعاء في صلاة الفجر بشكل منتظم، واستدلوا في ذلك بحديث الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه حيث قال إن النبي محمد صلى الله عليه وسلم «لم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا» وهو الحديث الذي اعتُمد عليه من قِبل المذهب المالكي والمذهب الشافعي، وقد تبنته «الإفتاء» باعتباره القول المختار في الفتوى الرسمية المعتمدة داخل الدولة.
وأكدت «الإفتاء» أن وجود اختلاف بين العلماء في مثل هذه الأمور لا يبرر التنازع بين الناس أو الطعن في صحة عباداتهم، إذ أن هذه المسائل محل اجتهاد فقهي معتبر، وكل مذهب له أدلته وأصوله في الاستنباط، ويجب أن يكون الخلاف فيها «خلاف تنوع» وليس خلاف تضاد يثير الفتنة.
تحذير من الفُرقة والجدال
شددت «الإفتاء» على ضرورة الامتناع عن استخدام المسائل الخلافية في إشعال «النزاعات» أو خلق انقسامات داخل صفوف المسلمين، وأكدت أن التشدد في الإنكار على من يقنت في صلاة الفجر لا يليق بمقام العابدين، لأن النبي الكريم نفسه كان رحيمًا بأمته متسامحًا في الأمور المختلف فيها بين أهل العلم.
وأضافت «الإفتاء» أن الأصل في هذه المسائل هو سعة الشريعة ورحمة الإسلام وتنوع السُّنَن، وأنه ما دام هناك أصل شرعي معتبر يستند عليه الفعل فلا يصح إنكاره أو اتهامه بالبدعة، بل يجب التعامل مع هذه الأقوال بمنهج علمي رشيد وروح من التقدير والاحترام لكل ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
صيغة دعاء القنوت الواردة عن النبي
وقد نقلت «الإفتاء» الصيغة المشهورة لدعاء القنوت والتي علّمها النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنهما حيث قال «اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت» وهي الصيغة التي شاعت عند جمهور المسلمين منذ عهد الخلفاء الراشدين وحتى يومنا هذا.
كما أوردت «الإفتاء» أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول أيضًا في القنوت «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» وهو دعاء عظيم يدل على تعظيم الله والثناء عليه والتذلل بين يديه.
توقيت دعاء القنوت وموضعه
أفادت «الإفتاء» أن الوقت المستحب لقراءة دعاء القنوت يكون بعد الانتهاء من الركوع في الركعة الثانية من صلاة الفجر، حيث يقف الإمام أو المصلي منفردًا ويرفع يديه مبتهلًا إلى الله بهذه الكلمات المباركة التي جمعت بين الدعاء والثناء والاستعانة والاعتراف بعظمة الخالق عز وجل.
وأشارت «الإفتاء» إلى أن بعض المذاهب الأخرى ترى أن القنوت يكون فقط في صلاة الوتر وليس في الفجر باستمرار، ولكن ما دام هناك قول مأثور مستند إلى فعل النبي فلا مانع من اتباعه، خاصة أن الأمة اتفقت على مشروعية القنوت في بعض الصلوات في النوازل والطوارئ فكيف إذا تعلق الأمر بسُنة ثابتة طوال حياة النبي.
لا إنكار في المسائل المختلف فيها
وبحسب ما أكدت عليه «الإفتاء» فإن من أهم القواعد الفقهية المعتمدة أنه «لا يُنكر المختلف فيه وإنما يُنكر المتفق على تحريمه»، وهذا ينطبق على مسألة القنوت في صلاة الفجر، إذ لا يمكن أن يُقال إن من يقنت مبتدع أو أن فعله مردود عليه، ما دام يستند إلى حديث صحيح وسُنة عملية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، اتبعها آلاف العلماء عبر العصور.
وأضافت «الإفتاء» أن الالتزام بالأدب عند النقاش حول هذه المسائل يرسخ «ثقافة الوعي الديني» الصحيح ويُجنب المسلمين السقوط في دائرة التكفير أو التبديع بلا علم، وأن الفقيه الحقيقي هو من يعرف مواطن الخلاف والاتفاق في الفقه ولا يُشعل بين الناس نار التعصب المذهبي.
القنوت سُنَّة محببة وليست بدعة
واختتمت «الإفتاء» فتواها بالتأكيد على أن دعاء القنوت في صلاة الفجر سُنة نبوية مأثورة عن النبي الكريم وأنه لا يصح وصفها بالبدعة ما دامت قد ثبتت بأحاديث صحيحة، مشيرة إلى أن ترك القنوت لا يُبطل الصلاة ولا يُنقص من أجرها، ولكن فعله فيه فضل عظيم لمن التزم به على وجه السنة والاتباع.
كما ذكرت «الإفتاء» أن الأهم من القنوت هو الخشوع وحضور القلب في الصلاة، لأن كثيرًا من الناس قد ينشغلون بشكل الصلاة عن مضمونها، بينما المطلوب هو «الخشوع والخضوع لله» وتحقيق مقصود العبادة بالنية الصادقة والكلمات المباركة.