حكم تعجيل الزكاة قبل مرور العام.. دار الإفتاء توضح الرأي الشرعي

الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وهي من أسمى صور «التكافل الاجتماعي» في المجتمع المسلم، فهي لا تقتصر على كونها عبادة مالية فقط، بل تحمل في مضمونها رسائل عميقة من «الرحمة» و«العدالة» و«الإنصاف»، وقد ورد ذكر الزكاة في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، مما يدل على عظمتها ومكانتها الراسخة في الشريعة الإسلامية، ويحرص المسلمون دائمًا على معرفة أحكامها والالتزام بشروطها، ومن بين الأسئلة الشائعة التي تُطرح كثيرًا هو هل يجوز تعجيل الزكاة قبل مرور سنة قمرية على المال؟، وهو ما أجابت عنه دار الإفتاء المصرية في فتوى حديثة مدعّمة بالأدلة الشرعية،
الزكاة ومكانتها في الإسلام
الزكاة فريضة إلهية شرّعها الله تعالى على المسلمين من أصحاب المال والثروة، وهي ليست «تبرعاً اختيارياً» بل «حق معلوم» للفقير في مال الغني، وهي تعبّر عن التراحم بين أفراد المجتمع الواحد، كما أن إخراج الزكاة يطهر المال ويباركه، ويُطهر النفس من الشح والبخل، قال الله تعالى في كتابه العزيز ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾، ومن هذا المنطلق تظهر الزكاة كوسيلة فعالة لتحقيق التوازن الاقتصادي وتقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وقد بيّنت الشريعة الإسلامية شروط وجوب الزكاة ومنها بلوغ المال النصاب ومرور عام هجري كامل عليه.
حكم تعجيل الزكاة قبل حولان الحول
أوضحت دار الإفتاء المصرية أن تعجيل إخراج الزكاة قبل تمام السنة القمرية جائز شرعًا، إذا تحقق النصاب المالي الذي يجب فيه الزكاة، حتى وإن لم تكتمل السنة القمرية عليه، وهو ما عليه العمل والفتوى في العصر الحالي، ويجوز تعجيل الزكاة كلها دفعة واحدة أو على أقساط أو دفعات بحسب ظروف المزكي، وهذا ما يُيسر على الناس أداء الفريضة في وقت مناسب أو عند توافر المال.
وقد استندت دار الإفتاء في هذا الحكم إلى ما رُوي عن الصحابي الجليل العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، أنه طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعجّل زكاته قبل أن يحول عليها الحول، فرخّص له النبي الكريم في ذلك، والحديث مروي في عدة مصادر موثوقة مثل «المسند» للإمام أحمد، و«السنن» لأبي داود والترمذي وابن ماجه، وكذلك رواه الحاكم في «المستدرك» وصحّحه، مما يعزز هذا الحكم بقوة السند الشرعي والأثر الثابت.
جواز تقديم الزكاة على شرطها
أكدت دار الإفتاء أيضًا أن تقديم الزكاة قبل تحقق شرطها لا يُخالف القواعد العامة في الفقه الإسلامي، فكما يجوز إخراج كفارة اليمين بعد الحلف وقبل وقوع الحنث، فإنه كذلك يجوز تعجيل الزكاة قبل تمام الحول، رغم أن القاعدة العامة تنص على أن «العبادات كلها لا يجوز تقديمها على سبب وجوبها»، إلا أن الزكاة تُعد استثناءً مقبولاً لما لها من طبيعة خاصة ومرونة شرعية، وقد أورد الإمام ابن رجب الحنبلي في كتابه «القواعد» هذه المسألة، مؤكدًا على أن بعض العبادات تقبل التقديم إذا دعت الحاجة أو المصلحة.
النصاب الشرعي الواجب لوجوب الزكاة
وأما ما يتعلق بالنصاب الذي يترتب عليه وجوب الزكاة، فقد أوضحت دار الإفتاء أن النصاب الشرعي يعادل عشرين مثقالاً من الذهب، وهو ما يساوي بحسب المقاييس الحديثة حوالي خمسة وثمانين جرامًا من الذهب عيار 21، وهذا هو المعيار المعتمد للفتوى في مصر، ويُشترط أن يكون هذا المال فائضًا عن الحاجة الأصلية لصاحبه، وعن حاجات من يعولهم من أفراد أسرته، كما ينبغي ألا يكون هذا المال مرهونًا بسداد ديون قائمة عليه، فإذا توفرت هذه الشروط، وجب على المسلم إخراج الزكاة بمعدل ربع العشر أي ما يعادل 2.5% من إجمالي المال، وهو ما أجمع عليه جمهور الفقهاء.
الحكمة من جواز التعجيل
الهدف من جواز تعجيل الزكاة هو التيسير على المسلمين ومراعاة ظروفهم المعيشية والمالية، فقد يرغب المسلم في استباق الحول ودفع الزكاة في وقت يكون فيه المال متاحًا أو تتوفر فيه فرص مساعدة أكبر للفقراء، خصوصًا في الأوقات التي تمر فيها الأمة الإسلامية بأزمات أو مواسم تحتاج فيها الأسر المحتاجة إلى العون، مثل شهر رمضان أو بداية العام الدراسي أو في أوقات الكوارث الطبيعية، كما أن التعجيل في الزكاة يُعتبر نوعًا من المسارعة إلى الخيرات والتعجيل بالبر والإحسان.
التنسيق مع الجهات المختصة عند التعجيل
رغم جواز تعجيل الزكاة شرعًا، إلا أن بعض المؤسسات الخيرية تطلب من المتبرعين تحديد ما إذا كانت هذه الأموال تُعد زكاة معجلة أم لا، وذلك من أجل التنظيم المحاسبي والتأكد من توزيع الأموال بما يتوافق مع مصارف الزكاة الشرعية الثمانية، لذا فمن المهم أن يكون المزكي واضحًا في نيته وأن يُخبر الجهة التي يتعامل معها بنيته في تعجيل الزكاة ليتم التعامل معها بالشكل الصحيح.
تبقى الزكاة فريضة عظيمة يجب تأديتها بكل حرص والتزام، سواء أُخرجت بعد الحول أو قبله، فهي عنوان على «إيمان المسلم» والتزامه بأوامر الله، وإذا ما اختار المزكي تعجيل الزكاة، فقد نال أجرًا مضاعفًا، لأنه أدّاها في وقت الحاجة، وسبق غيره إلى الخير، وعليه أن يتحرى دائمًا الشروط والأحكام حتى تبرأ ذمته ويقبل الله منه عمله، فالزكاة ليست فقط وسيلة لإسعاد الفقير، بل هي «سبب للبركة» في المال و«رفعة للدرجات» في الدنيا والآخرة.