الإفتاء توضح الحكم الشرعي في خطأ الطبيب أثناء علاج المريض؟
تُعد مهنة الطب من أنبل المهن وأعظمها أثرًا في حياة الإنسان، إذ تستند إلى الإجابة من دار الإفتاء والعلم والخبرة في الحفاظ على أرواح البشر وتحسين جودة حياتهم، ومع ذلك فإن أخطاء الأطباء أثناء ممارستهم لمهنتهم قد تؤدي أحيانًا إلى أضرار خطيرة للمرضى، وهو ما يطرح تساؤلات حول الموقف الشرعي من هذه الأخطاء، خاصة إذا ترتب عليها ضرر كبير كالإصابة بعاهة مستديمة أو حتى فقدان الحياة.
وفي هذا السياق، ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية يستفسر عن رأي الدين في الطبيب الذي يخطئ أثناء تشخيص المرض أو عند إجراء جراحة تسبب ضررًا للمريض، وقد قدمت دار الإفتاء إجابة شاملة توضح الضوابط الشرعية لمثل هذه الحالات، استنادًا إلى النصوص الدينية وآراء الفقهاء.
موقف الشرع من أخطاء الأطباء
أكدت دار الإفتاء أنه إذا كان الطبيب من أهل المعرفة والتخصص، ولم يتجاوز حدود مهنته أو يخطئ في فعله بشكل جسيم، فلا شيء عليه، لأن الأطباء يعملون وفق اجتهاداتهم العلمية ويعتمدون على الوسائل المتاحة لتقديم العلاج، أما إذا ثبت أنه أخطأ وتجاوز حدود مهنته أو أهمل في أداء واجبه، فإنه يتحمل المسؤولية الشرعية عن الضرر الناتج.
واستندت دار الإفتاء إلى الحديث النبوي الذي رواه النسائي: «مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعلَم منه طِبٌّ قَبْل ذلك فهو ضامِنٌ»، وهذا يعني أن الشخص الذي يمارس مهنة الطب دون أن يكون مؤهلًا لذلك يتحمل المسؤولية كاملة عن أي ضرر يلحق بالمريض.
شروط ممارسة مهنة الطب في الشريعة
أوضحت دار الإفتاء أن الفقهاء وضعوا شروطًا واضحة لكل من يتصدى للعمل بالطب، لضمان أن تُمارس هذه المهنة الشريفة وفق أعلى معايير الأمانة والعلم، ومن بين هذه الشروط:
1.العلم والتخصص:
يجب أن يكون الطبيب عالمًا بمهارته، خبيرًا في تفاصيلها ودقائقها، مع تقدم العلوم، أصبح مقياس العلم يعتمد على الشهادات المعتمدة والتدريب الطبي المتخصص.
2.شهادة الخبرة:
يجب أن يشهد طبيبان متخصصان بأن الطبيب مؤهل لممارسة الطب، ويستند هذا الشرط إلى الحديث النبوي المذكور أعلاه، الذي يُشدد على أهمية إثبات الكفاءة.
3.الالتزام بمعايير الطب المعروفة:
يشترط أن يعالج الطبيب المريض بما هو معروف ومشهود به بين الأطباء كعلاج فعال للمرض، أي خروج عن هذه المعايير يعرض الطبيب للمساءلة الشرعية.
4.مسؤولية الطبيب عن أخطائه
تناول الفقهاء موضوع العقوبات التي تُفرض على الأطباء في حالة ارتكاب أخطاء مهنية جسيمة أو إهمال في العلاج، وأكدوا أن الطبيب يتحمل المسؤولية إذا وقع الخطأ بسبب تقصيره أو تجاوزه للمعايير الطبية المتعارف عليها.
5.الدية أو حكم القاضي:
إذا تسبب خطأ الطبيب في ضرر كبير مثل عاهة مستديمة أو وفاة، فإنه يتحمل “الدية” أو العقوبة التي يقررها القاضي، على سبيل المثال إذا استخدم الطبيب دواءً غير معتمد أو أجرى عملية دون تأكد كافٍ من ضرورتها أو دقتها، فهو ضامن للضرر الذي لحق بالمريض.
6.الحالات التي لا يُحاسب فيها الطبيب:
في المقابل، لا يُسأل الطبيب إذا اتبع الإجراءات الطبية الصحيحة وأدى واجبه بأقصى قدر من الأمانة والمهارة، لكن النتيجة لم تكن كما هو متوقع، خاصة أن الطب ليس علمًا حتمي النتائج.
رسالة دار الإفتاء للأطباء والمرضى
اختتمت دار الإفتاء بيانها بالتأكيد على أن مهنة الطب ليست مجرد وظيفة، بل هي أمانة كبيرة تتطلب التزامًا أخلاقيًا ودينيًا، ودعت الأطباء إلى الالتزام بالمعايير العلمية والأخلاقية في عملهم، كما طالبت المرضى بالحرص على اختيار الأطباء المؤهلين وتقديم الثقة والدعم لهم.
وإن الحفاظ على أرواح البشر وحمايتها من الضرر هو مسؤولية مشتركة بين الأطباء والمرضى، وهو ما يجعل مهنة الطب تستحق كل التقدير والاحترام، مع ضرورة ضمان أن تُمارس وفق ضوابط الشرع والقانون.