من قلب الظلام.. نور المسيح يتوهج من جديد في سبت النور

«سبت النور».. القدس المحتلة في أجواء روحانية غامرة، وبحضور آلاف الحجاج والمصلين من مختلف بقاع الأرض، شهدت كنيسة القيامة في مدينة القدس المحتلة، اليوم السبت، ظهور النور المقدس من قبر السيد المسيح عليه السلام، تزامنًا مع احتفال المسيحيين بـ«سبت النور»، أحد أكثر الأيام قدسية في التقويم الكنسي، والذي يسبق "عيد القيامة المجيد".
معجزة تتجدد سنويًا منذ قرون
يُعرف «سبت النور» بالمعجزة المتجددة، حيث ينبعث نور غير مادي من القبر المقدس في كنيسة القيامة، ويُشعل شموع البطريرك الأرثوذكسي بشكل عجيب دون أي وسيلة إشعال بشرية.
وتُعد هذه الظاهرة معجزة فريدة من نوعها في العالم المسيحي، وواحدة من أقدم الطقوس التي توارثتها الكنائس الشرقية على مدار قرون.
ووفقًا للتقليد الكنسي، فإن هذه المعجزة تحدث سنويًا منذ أكثر من 1000 عام، وقد تم توثيقها لأول مرة في العام 1106 ميلادي.
ولا تزال حتى اليوم رمزًا للإيمان والرجاء، ومصدرًا روحيًا يتجدد في قلوب المسيحيين، لا سيما في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها المدينة المقدسة تحت الاحتلال الإسرائيلي.
طقوس روحانية ومراسم مهيبة
«سبت النور».. تبدأ المراسم في صباح سبت النور، حيث يُغلق باب كنيسة القيامة أمام الزوار، ويتم تفتيش القبر بدقة للتأكد من خلوه من أي مصدر للنار. وبعدها يدخل بطريرك الروم الأرثوذكس في موكب مهيب يضم الكهنة والشمامسة، بمشاركة كاثوليكوس الأرمن، وسط قرع الأجراس بحزن، إيذانًا ببدء لحظة التجلي.
وقبل دخول البطريرك إلى القبر، يُطفأ قنديل الزيت المشتعل طوال العام، ويُنتظر أن يشتعل مجددًا من النور الإلهي. وبالفعل، وخلال دقائق، ينبعث النور المقدس في مشهد مؤثر، وتُضاء الشموع في الكنيسة، ثم يتسابق الحضور لنقلها إلى الخارج حيث تنتشر بين المؤمنين، ومن هناك إلى كنائس العالم.
قيود الاحتلال لم تمنع الأمل
ورغم الإجراءات الأمنية المشددة التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي كل عام على المدينة المقدسة، خاصة في محيط البلدة القديمة وكنيسة القيامة، فإن آلاف المصلين من المسيحيين الفلسطينيين والزوار الأجانب تحدوا الحواجز العسكرية وتمكنوا من الوصول للمكان، وسط تنديد واسع بإجراءات الاحتلال التي تعيق حرية العبادة.
وقالت مصادر فلسطينية إن قوات الاحتلال نصبت حواجز في مداخل القدس القديمة، ومنعت العديد من الفلسطينيين من دخول الكنيسة، الأمر الذي أثار غضب الطوائف المسيحية والهيئات الدينية.
الكنائس تؤكد التمسك بالقدس مدينة مقدسة للجميع
وفي هذا السياق، أكد رؤساء الكنائس في القدس أن مدينة القدس لا يمكن أن تكون تحت حصرية أحد، فهي مدينة السلام، والمكان الذي اجتمع فيه الإيمان بالرسالات السماوية الثلاث، مشددين على أن محاولات الاحتلال تهويد المدينة ستفشل، وأن أبناء الأرض الأصليين، مسلمون ومسيحيون، سيواصلون الدفاع عن مقدساتهم رغم كل شيء.
رسائل محبة وسلام من داخل كنيسة القيامة
ومن داخل كنيسة القيامة، أطلق عدد من البطاركة والكهنة رسائل تدعو إلى المحبة والتسامح وإنهاء الحروب، لا سيما في ظل تصاعد الأزمات في المنطقة، معتبرين أن النور المقدس هو دعوة للبشرية لتجديد الإيمان بالسلام والانتصار على الظلمة والشر.
واختُتمت المراسم وسط أجواء روحانية عميقة، وصوت الترانيم يصدح في أرجاء القدس، مؤكدًا أن الأمل لا ينطفئ، وأن القدس ستبقى رمزًا للسلام رغم كل الجراح.
آلاف الشموع تحمل النور إلى العالم
ما إن يخرج البطريرك الأرثوذكسي حاملاً الشموع المضاءة من القبر المقدس، حتى تنتقل شعلة النور من يد إلى يد، لتملأ كنيسة القيامة ومحيطها بوهج سماوي يرمز إلى الحياة والانبعاث.
وتحرص الوفود القادمة من مختلف الدول، خاصة من أوروبا وروسيا واليونان، على حمل النور المقدس في قوارير زجاجية مخصصة، لنقله إلى بلدانهم على متن طائرات خاصة، في تقليد بات راسخًا لدى ملايين المسيحيين الأرثوذكس.
ويُنظر إلى نقل النور المقدس من القدس إلى الكنائس الأرثوذكسية حول العالم على أنه تواصل روحي مع مهد المسيحية، وتجديد لعهد الإيمان، رغم الحواجز المادية والسياسية.
وفي بعض الدول، يُستقبل النور في احتفالات رسمية، بحضور رؤساء وقيادات دينية، تُنقل على الهواء مباشرة.
تحديات متزايدة ونداءات متكررة
في المقابل، لا تزال الكنائس في القدس تطلق تحذيرات سنوية من تزايد التدخلات الإسرائيلية في شؤون الكنائس، ومن التضييق على الحريات الدينية، خصوصًا في مواسم الأعياد.
وقد دعت بطريركية الروم الأرثوذكس هذا العام المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته في حماية حرية العبادة في المدينة المقدسة، وضمان وصول المؤمنين إلى أماكنهم المقدسة دون عوائق.