السبت 12 يوليو 2025 الموافق 17 محرم 1447
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
القارئ نيوز القارئ نيوز
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
عاجل

أقنعة ميدوسا وميداليات إيزيس.. اكتشاف أثري في صقلية يكشف أسرار الحضارات القديمة

الآثار المكتشفة
الآثار المكتشفة

في تطور جديد مثير في عالم الآثار، أعلن علماء آثار عن اكتشاف كنز أثري نادر في مدينة فينزيادي القديمة بجزيرة صقلية، والتي تعرف حاليا باسم ليكاتا، حيث تم العثور على مجموعة مدهشة من القطع الأثرية التي تعود إلى العصور اليونانية والرومانية، وتضم عناصر تمثل مزيجًا ثقافيًا نادرا بين الحضارات اليونانية، والرومانية، والمصرية.

ويُعدّ هذا الاكتشاف، الذي سلطت عليه صحيفة «Greek Reporter» الضوء، جزءًا من جهود التنقيب المستمرة في المنطقة المعروفة بتنوعها الثقافي الكبير عبر العصور القديمة.

أقنعة ميدوسا.. رمز القوة والأسطورة

من أبرز ما عُثر عليه في الموقع ما وُصف بأنه قالب لصناعة أقنعة جورجون ميدوسا، وهو اكتشاف نادر له دلالات ثقافية ودينية هائلة. تشير التحليلات الأولية إلى أن هذا القالب استخدم في تصنيع أقنعة تُجسّد ميدوسا، إحدى أشهر الشخصيات في الأساطير اليونانية، والمعروفة بشعرها المؤلف من الأفاعي، وقدرتها على تحويل من ينظر إلى عينيها إلى حجر.

القالب وُجد داخل ما يعرف بـ «البيت رقم 18»، وهو مبنى يعود إلى أواخر العصر الجمهوري في روما، أي إلى القرن الأول قبل الميلاد، ويعتقد أنه تم تحويله لاحقًا إلى ورشة حرفية لإنتاج الأقنعة والميداليات وغيرها من الأغراض الاحتفالية.

فينزيادي.. مدينة الحضارات المتعددة

مدينة فينزيادي كانت في العصور القديمة مركزا هاما ضمن منطقة ماجنا جراسيا، وهي التسمية التي أُطلقت على المستعمرات اليونانية في جنوب إيطاليا. 

وقد شهدت هذه المدينة تداخلًا فريدًا بين الحضارات اليونانية والرومانية والمصرية، وهو ما توضحه الاكتشافات الجديدة بشكل لافت.

القطع المكتشفة تُثبت أن السكان المحليين، سواء في فترة الحكم الروماني أو قبله، كانوا على صلة دائمة بالأديان والثقافات الأخرى، حيث اندمجت المعتقدات المصرية القديمة، مثل عبادة إيزيس وسيرابيس، مع الطقوس اليونانية والرومانية في نسيج ثقافي واحد.

ميداليات إيزيس وسيرابيس.. اندماج حضاري

إلى جانب القالب الخاص بميدوسا، عُثر أيضًا على عدة ميداليات مزخرفة تحمل صور المعبودين المصريين إيزيس وسيرابيس

وتعد هذه الميداليات دليلاً واضحًا على الانتشار الكبير لعبادة هذين المعبودين في أنحاء الإمبراطورية الرومانية.

المعبود سيرابيس، الذي أدخله بطليموس الأول إلى الإسكندرية في القرن الثالث قبل الميلاد، كان محاولة لخلق رابط روحي بين اليونانيين والمصريين في مصر البطلمية، ثم انتشر في بقية مناطق البحر المتوسط.

أما إيزيس، إلهة الخصوبة والشفاء المصرية، فتم استيعابها في الديانة الرومانية لاحقًا، وأصبحت معبودًا شعبيًا في الإمبراطورية، بل بنيت لها معابد في عدد من المدن الرومانية، وهو ما يظهر تأثيرها في مناطق بعيدة مثل صقلية.

ورشة حرفية أم مركز ديني؟

الاكتشافات، التي تتضمن أيضًا أكوابًا خزفية متشققة ومزينة، تشير إلى أن البيت رقم 18 لم يكن مجرد منزل سكني، بل ربما تحول إلى ورشة فنية لصناعة السلع الدينية والاحتفالية، وهو ما يعكس الدور الحيوي للحرف اليدوية في دعم الاقتصاد المحلي خلال تلك الفترة.

ويرجح الباحثون أن سكان فينزيادي اعتمدوا على إنتاج الميداليات، والأقنعة، والمجسمات الدينية كمصدر رزق، بل وربما كانت هذه الحرف مرتبطة بمهرجانات دينية تكرس لعبادة آلهة متعددة، محلية وأجنبية.

فن وتحولات سياسية

الفترة التي تنتمي إليها هذه القطع أواخر العصر الجمهوري في روما كانت زمنًا لتحولات سياسية عميقة، فمع تصاعد التوترات في قلب الإمبراطورية الرومانية، كانت الأقاليم مثل صقلية تشهد ازدهارًا ثقافيا خاصا بها. 

ويعتقد أن الفن الديني كالذي تمثله هذه الأقنعة والميداليات كان وسيلة للهوية، ولربما أيضًا للمقاومة الرمزية في وجه التغيرات السياسية الكبرى.

قراءة جديدة للتاريخ القديم

اللافت في هذه الاكتشافات هو أنها تعيد رسم ملامح الحياة اليومية والدينية لسكان المناطق البعيدة عن المركز الإمبراطوري في روما.

 فبينما كانت العاصمة منشغلة بالصراعات السياسية، كانت المدن مثل فينزيادي تزدهر ثقافيًا من خلال تداخل الرموز الدينية والفنية بين حضارات المتوسط.

ويفتح هذا الاكتشاف المجال أمام دراسات أوسع لفهم العلاقة بين الفن والمجتمع، والدين والاقتصاد، في العصور القديمة، وكيف استطاعت مجتمعات متعددة الأعراق والثقافات أن تتعايش وتنتج معا صورًا جديدة من الإبداع.

تم نسخ الرابط