دار الإفتاء.. لا يجوز مراقبة الناس أو التجسس عليهم بأي وسيلة

التجسس أصبح من الممارسات الخطيرة التي تهدد قيم المجتمع وتزعزع الثقة بين أفراده، وقد تصدت دار الإفتاء المصرية لهذه الظاهرة بفتوى صريحة وشاملة تؤكد فيها أن «التجسس على الناس حرام شرعًا» وأنه يدخل ضمن الكبائر التي نهى عنها الإسلام، واعتبرت «أي شكل من أشكال التلصص أو انتهاك الخصوصية جريمة شرعية وأخلاقية» تستوجب التحذير والتنبيه.
فتوى شرعية تؤكد حرمة التجسس
في ظل التوسع الكبير في استخدام وسائل التواصل الحديثة والتكنولوجيا الرقمية، أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى حاسمة تحذر فيها من خطورة «التجسس» بمختلف أشكاله، مؤكدة أن «التصوير أو التسجيل الصوتي أو المرئي دون إذن مسبق» يُعد تعديًا على خصوصية الغير ولا يجوز بأي حال من الأحوال، وشددت الفتوى على أن «الشرع الحنيف وضع ضوابط دقيقة تحفظ للناس كرامتهم وتصون حياتهم الخاصة»، وبالتالي فإن أي اعتداء على تلك الضوابط يُعد تجاوزًا للحدود الإلهية.
أدلة شرعية دامغة ضد التجسس
استندت الفتوى إلى نصوص قرآنية وأحاديث نبوية واضحة تحرم «التجسس»، وعلى رأسها قول الله تعالى في سورة الحجرات «وَلَا تَجَسَّسُوا» وهو نص قاطع الدلالة لا يحتمل التأويل، كما أوردت دار الإفتاء الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من اتبع عورة أخيه اتبع الله عورته حتى يفضحه في بيته»، مما يوضح أن التجسس ليس فقط معصية فردية بل جريمة مجتمعية لها تبعات شديدة على الفرد والمجتمع.
انتهاك الخصوصية في العصر الرقمي
لفتت دار الإفتاء إلى أن خطر «التجسس» تعاظم في العصر الحديث بسبب انتشار الهواتف الذكية والكاميرات المخفية وبرامج المراقبة والتسجيل، حيث بات من السهل على ضعاف النفوس أن يتجسسوا على غيرهم دون علمهم، وأكدت الدار أن «استخدام التقنيات الحديثة في التلصص على الناس يُعد جريمة أخلاقية ودينية في آنٍ واحد» وأن الأمر لا يقتصر على الفعل نفسه بل يتفاقم عند نشر المحتوى المسروق على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأوضحت أن «تداول مقاطع مسروقة أو صور تم التقاطها خلسة يُعد مشاركة في الجريمة ويدخل ضمن باب الإثم المشترك» وبينت أن مثل هذه التصرفات «تدمر نسيج المجتمع وتقضي على الثقة المتبادلة بين أفراده» وهو ما يناقض روح الإسلام وتعاليمه التي تدعو إلى حفظ الأسرار وصيانة الحرمات.
الخصوصية حق شرعي أصيل
أكدت الفتوى أن الإسلام كفل للإنسان حق الخصوصية منذ أربعة عشر قرنًا، وأن «حرمة البيوت وحرمة الحياة الخاصة من المبادئ الثابتة في الشريعة الإسلامية»، كما أشار العلماء إلى أن هذا الحق لا يسقط بالتقادم ولا يجوز لأحد انتهاكه تحت أي ذريعة، فالله سبحانه وتعالى أمر بالاستئذان قبل دخول البيوت ونهى عن التجسس، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم شدد على أهمية احترام الخصوصية حتى بين أفراد الأسرة الواحدة.
وشددت دار الإفتاء على أن «الحرية لا تعني التعدي على خصوصيات الآخرين» وأن من يفعل ذلك يكون آثمًا ويعرض نفسه للعقوبة الشرعية والدنيوية.
دعوة للالتزام بأخلاقيات الإسلام
دعت دار الإفتاء في فتواها إلى التمسك بالأخلاق الإسلامية خاصة في ظل الانفتاح التكنولوجي، وأكدت أن «وسائل التقنية الحديثة يمكن أن تكون نعمة إذا استُخدمت في الخير أو نقمة إذا تم استغلالها في التجسس والإيذاء»، وحثت على أن يكون الاستخدام رشيدًا ومسؤولًا بما يحقق المنفعة العامة ويحترم خصوصية الأفراد.
كما أشارت إلى ضرورة «تعزيز ثقافة الاحترام بين الناس» وأن يكون هناك وعي مجتمعي بخطورة انتهاك الخصوصيات وتجاوز الحدود الشرعية، فالمجتمع الذي يغيب فيه احترام الخصوصية يتحول إلى بيئة طاردة للقيم ومولدة للكراهية والريبة.
وعيد للمعتدين على حرمات الناس
اختتمت الفتوى بلهجة تحذيرية قوية حيث أكدت أن «من يجرؤ على انتهاك حرمات الناس وتتبع عوراتهم فإنه سيكون أول من يفضحه الله» مستشهدة بحديث النبي الكريم، وأوضحت أن العقوبة الإلهية قد لا تتأخر وأنها تشمل الفضيحة في الدنيا قبل الآخرة، فالله سبحانه وتعالى عدل لا يرضى بالظلم ولا يقبل أن تُنتهك حرمات عباده دون حساب.
وشددت دار الإفتاء على أن «الستر خلق إسلامي عظيم لا ينبغي التفريط فيه» وأن من يكشف ستر أخيه المسلم فإن الله يسلب عنه ستره في وقت هو في أمسّ الحاجة إليه.
ضرورة تدخل قانوني ومجتمعي
طالبت دار الإفتاء الجهات المختصة بالتدخل لوضع قوانين صارمة تجرم «التجسس» سواء في صورته التقليدية أو الرقمية، مشيرة إلى أن التشريع وحده لا يكفي بل لا بد من «وعي مجتمعي متكامل» يرفض هذا السلوك المشين وينبذه علنًا، كما دعت المؤسسات الدينية والإعلامية إلى نشر التوعية بقيمة الخصوصية وخطر التجسس على الأفراد والأسر.
التجسس.. خطر متصاعد يستوجب الحذر
من خلال هذه الفتوى الجامعة، تؤكد دار الإفتاء أن «التجسس لم يعد مجرد تصرف فردي بل تحول إلى ظاهرة تهدد الأمن المجتمعي»، وهو ما يستوجب تكاتف الجميع من علماء ودعاة ومربين وإعلاميين للوقوف بحزم أمام هذا الخطر المتنامي، خاصة وأن انتهاك الخصوصية غالبًا ما يكون مقدمة لانهيارات أخلاقية واجتماعية أعمق، لذا فإن التصدي لهذه الممارسات بات ضرورة شرعية وإنسانية لا تقبل التأجيل.