لحظات بكى فيها النبي محمد صلى الله عليه وسلم بسبب أمته لماذا؟
تعددت المواقف في حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، يتجلَّى لنا أحد أعمق جوانب شخصيته الإنسانية، ألا وهو البكاء، فرغم عظمته ورفعته في مقام النبوة، إلا أن رسول الله كان إنسانًا يذرف الدموع ويشعر بالألم، كما كان يفرح أيضًا، وقد سُجل في السيرة النبوية العديد من هذه اللحظات المؤثرة التي تُمثل صورًا حية لعاطفة نبي الرحمة تجاه أمته، فالنبي صلى الله عليه وسلم، في لحظات من حياته، لم يكن مجرد قائد سياسي أو عسكري، بل كان قدوة في الإنسانية والمشاعر، وكان بكاؤه صلى الله عليه وسلم يحمل معانٍ عميقة تتعلق بالرحمة، والتوبة، والخوف من الله، وحب أمته.
أبرز مواقف بكاء النبي صلى الله عليه وسلم
من أبرز المواقف التي سجلتها السنة النبوية، كانت لحظة بكاء النبي صلى الله عليه وسلم عند تلاوته لآيات من القرآن الكريم تتحدث عن الأنبياء السابقين، حيث رفع يديه قائلاً: “اللهم أمتي أمتي” وبكى، مستشعرًا ألمًا عميقًا على حال أمته، ففي الحديث الذي رواه مسلم، جاء عن عبدالله بن عمرو بن العاص، أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: «رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ»، وقوله عن عيسى عليه السلام: «إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»، فبكى رسول الله رحمة بأمته ودعاء لها بالنجاة.
كما شهدت حياة النبي مواقف أخرى بكى فيها بشكل مؤثر، مثل بكائه على وفاة صحابته الجليل عثمان بن مظعون، الذي وصفته السيدة عائشة رضي الله عنها وهو يقبله وهو ميت وتسيل دموعه، وكذلك في الصلاة، حيث كان صلى الله عليه وسلم يبكي في صلاته حتى يصل صوته إلى الصحابة من شدة ألمه وحزنه، فقي رواية عبدالله بن الشخير، قال: “رأيت رسول الله يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرحى من البكاء”، ويقال إن النبي كان يبكي في صلاته حتى تغرق الأرض بالدموع.
تسجل السيرة النبوية أيضًا بكاء النبي عند سماعه القرآن، فقد طلب من عبدالله بن مسعود أن يقرأ عليه القرآن، وعندما قرأ عليه الآية التي تتحدث عن الشهادة في يوم القيامة، بكى النبي صلى الله عليه وسلم بشدة، وقد أشار ابن بطال في تفسير هذا الموقف إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم بكى لأنه كان يتصور أهوال يوم القيامة، ويشفق على أمته التي ستواجه هذه الأهوال.
ومن المواقف التي تبين رقة قلب النبي صلى الله عليه وسلم ورحمته، كانت تلك اللحظات التي بكى فيها على وفاة ولده إبراهيم، ففي حديث عن أنس بن مالك، قال: “دخلنا مع رسول الله على أبي سيف القين، وكان ظِئرًا لإبراهيم عليه السلام، فأخذ رسول الله إبراهيم، فقبَّله وشمَّه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله تذرفان”، فقال عبد الرحمن بن عوف: “وأنت يا رسول الله؟” فرد عليه صلى الله عليه وسلم: “يا ابن عوف، إنها رحمة”، ثم أكمل قائلاً: “إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يبكي أيضاً عند زيارته قبور المسلمين. ففي حديث عن أبي هريرة، ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله، وقال: “استأذنتُ ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذِن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت”، وفي موقف آخر، عندما كان صلى الله عليه وسلم في جنازة، جلس على شفير القبر وبكى بشدة، حتى بلَّ الثرى من دموعه، وقال: “يا إخواني، لمثل هذا فأعدوا”.
من اللحظات التي تؤكد مدى حب النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، كانت عند رؤيته لأمته تُعرض عليه في يوم القيامة، فقد بكى صلى الله عليه وسلم رحمة بأمته، وعندما أخبره جبريل أنه سيُرضيه فيهم ولن يسيء إليهم، وجد في نفسه راحة بالغة، حيث لم يكن أبدًا يفضل نفسه على أمته.
كل هذه المواقف التي شهدها التاريخ، تجعل من النبي صلى الله عليه وسلم نموذجًا مثاليًا للرحمة والإنسانية، فقد كانت دموعه تعبيرًا عن عاطفة عظيمة تجاه الخلق، ولتكون لنا قدوة في كيفية التعامل مع الألم، الحزن، والفرح في حياتنا اليومية.