هل الالتفات في الصلاة يبطلها؟.. الإفتاء توضح الحكم الشرعي
تُعد الصلاة الركن الثاني من أركان الإسلام وأحد أعظم الشعائر التعبدية التي يتقرب بها المسلم إلى ربه، ولأنها تستوجب السكينة والخشوع، فقد اهتمت الشريعة الإسلامية بأدق تفاصيلها، ومن ذلك حركة الإمام أثناء الصلاة، وفي هذا السياق أوضحت دار الإفتاء المصرية حكم تحرك الإمام والمأمومين أثناء الصلاة، ولا سيما الالتفات يمينًا ويسارًا أو التغير في الاتجاه عن القبلة، وطرحت الدار رؤية فقهية مستفيضة تعتمد على اختلافات المذاهب الأربعة في تناول هذه القضية.
حكم الالتفات بالرأس أثناء الصلاة
استعرضت دار الإفتاء في البداية حكم الالتفات بالعنق أثناء الصلاة، مؤكدة أن الالتفات يمينًا أو يسارًا دون ضرورة يُعد مكروهًا وفقًا لما أجمعت عليه المذاهب الفقهية، ورغم كراهة هذا الفعل، إلا أنه لا يؤدي إلى بطلان الصلاة، شريطة أن يظل المصلي محافظًا على توجهه العام نحو القبلة، ومع ذلك شددت الدار على أن الالتفات المتكرر قد يؤثر سلبًا على خشوع الصلاة، وهو العنصر الذي يمثل روحها وأساسها.
التحرك بالصدر عن القبلة: اختلاف المذاهب
انتقلت دار الإفتاء إلى مسألة أكثر تعقيدًا، وهي التحرك بالصدر عن القبلة أثناء الصلاة، وأوضحت أن هذه المسألة تشهد اختلافًا كبيرًا بين المذاهب الأربعة، حيث يتباين حكمها وفقًا لكل مذهب:
المالكية: يرون أن التحول بالوجه أو الصدر عن القبلة لا يُبطل الصلاة طالما ظلت القدمين متجهتين نحو القبلة، مما يعني أن التحرك الجزئي لا يؤثر على صحة الصلاة ما دام الاتجاه العام للبدن مستمرًا نحو القبلة.
الحنابلة: يذهبون إلى أن بطلان الصلاة لا يتحقق إلا إذا تحوّل المصلي بكامل جسده عن القبلة، أي إذا انحرف الوجه والقدمين معًا عن الاتجاه الصحيح.
الحنفية: لديهم تفصيلٌ دقيق؛ فإذا كان التحول اضطراريًا واستمر لوقت قصير، فلا تبطل الصلاة، لكن إذا استمر هذا التحول لمدة تعادل أداء ركن كامل من أركان الصلاة، فإن الصلاة تُبطل، أما إذا كان التحرك اختياريًا وبلا عذر، فالصلاة تُعتبر باطلة سواء كان التحرك كثيرًا أو قليلًا.
الشافعية: أكثر المذاهب تشددًا في هذا الباب؛ إذ يرون أن مجرد تحول المصلي بصدره عن القبلة يُبطل الصلاة فورًا، حتى وإن كان ذلك بسبب إجبار أو إكراه من طرف آخر، لكنهم استثنوا حالتين: الجهل أو النسيان، حيث لا تبطل الصلاة إذا عاد المصلي سريعًا إلى الاتجاه الصحيح.
توجيهات دار الإفتاء للإمام والمصلين
وفي ختام بيانها، أكدت دار الإفتاء على أهمية التزام الإمام بالسكون والخشوع أثناء الصلاة، مشيرة إلى أن كثرة الحركة أو الالتفات قد تؤدي إلى تشويش المأمومين، وتُذهب الخشوع الذي يُعد لبَّ الصلاة وروحها الأساسية، وشددت على أن الأصل في الصلاة هو الثبات وعدم الحركة إلا للضرورة.
وأوضحت الدار أن من واجب الإمام أن يحرص على إقامة الصلاة بما يليق بمقامها، من خلال تجنب كل ما قد يسبب خللًا في صفوف المأمومين أو يؤدي إلى ضعف خشوعهم، كما دعت المصلين جميعًا إلى التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي وصف صلاته بالسكينة والخشوع الكامل.
الالتزام بالقبلة والحركة المبررة
اختتمت دار الإفتاء بيانها بالتأكيد على ضرورة الالتزام باتجاه القبلة والابتعاد عن الحركات غير المبررة، إلا إذا كانت هناك ضرورة تستدعي ذلك، كما أكدت أن هذه الأحكام، رغم اختلافها بين المذاهب الفقهية، تنطلق جميعها من قاعدة الحفاظ على قدسية الصلاة وتحقيق الخشوع فيها، مما يبرز قيمة هذا الركن العظيم في حياة المسلم.
بهذا التوضيح الفقهي المتكامل، دعت دار الإفتاء إلى فهم هذه الأحكام بعناية، مشيرة إلى أن الاختلافات الفقهية تتيح مساحة من التيسير دون إخلال بجوهر الصلاة وروحها.