غضب سياسي وشعبي.. رئيس كوريا الجنوبية فى مأزق السلطة
في ظل تصاعد أزمة رئيس كوريا الجنوبية والمشهد الدرامي يعكس اضطرابات السياسة في كوريا الجنوبية، تواجه البلاد واحدة من أصعب أزماتها السياسية في التاريخ الحديث، إذ تحاصر الفوضى القيادة، ويتأجج الغضب الشعبي.
كوريا الجنوبية
وتشهد شوارع العاصمة صخب الاحتجاجات، بينما يحاصر البرلمان بالضغوط لتقرير مصير الرئيس يون سوك-يول، الذي باتت قبضته على السلطة مهددة في ظل اتهامات بالخيانة ومحاولات استعادة الديمقراطية.
الأحداث تتسارع بكوريا الجنوبية
وحاول "يون" فرض الأحكام العرفية كخطوة يائسة لاستعادة سيطرته، إلا أن تلك المحاولة لم تدم طويلًا، وخلال ساعات تبددت خطته بعد رفض شعبي وسياسي واسع النطاق، ليعود لمواجهة مصيره مع تضاؤل دعم حزبه وتصاعد الاحتجاجات الشعبية.
ورغم محاولات يون الاتفاق مع حزبه على خطة للاستقالة المبكرة، إلا أنه لم يُظهِر أي نية حقيقية للتخلي عن السلطة ما زاد من تعقيد الأزمة، وفي خطاب مطول أمس الخميس، أصرّ على موقفه مبررًا أفعاله بنظريات مؤامرة تفتقر إلى الأدلة، متهمًا البرلمان وحزب المعارضة بمحاولة تقويض الديمقراطية.
تصاعد الغضب بكوريا الجنوبية
بينما اختبأ يون عن الأنظار، تفاقم الغضب في الشوارع وفي البرلمان وتزايدت الدعوات لعزله، خصوصًا بعد دعوة زعيم حزب الشعب التقدمي هان دونج هون، لتعليق عمل الرئيس فورًا.
وتُظهر الاحتجاجات اليومية حدة الاستياء العام، إذ باتت الهتافات تهاجم الرئيس وحزبه على حد سواء.
بالتزامن، تعرض أعضاء البرلمان الذين دعموا يون إلى هجمات لفظية وانتقادات حادة من الجمهور، ووصف البعض هذه الضغوط بأنها "إرهاب هاتفي"، حيث تلقى أعضاء البرلمان تهديدات بالقتل والزهور الجنائزية كإشارة رمزية على سخط الشارع.
تفكك حزب السلطة
مع تزايد الانتقادات، بدأ حزب قوة الشعب الحاكم يعاني من انشقاقات داخلية وانخفاض حاد في شعبيته، وأعلن بعض أعضاء الحزب نيتهم التصويت لصالح عزل الرئيس، رغم المخاطر السياسية والشخصية التي تواجههم.
قال النائب كيم سانج ووك، الذي قرر دعم العزل: "الرئيس غير مؤهل تمامًا لقيادة البلاد.. لكنه أشار أيضًا إلى الانقسام داخل حزبه، إذ لا يزال بعض الأعضاء متمسكين بولائهم ليون.
وأضاف كيم أن الحزب بحاجة إلى إعادة بناء شاملة لاستعادة ثقة الناخبين، معتبرًا أن هذه الأزمة تمثل فرصة للتفكير في أخطاء الماضي وإعادة النظر في مستقبل الديمقراطية الكورية.
التداعيات الديمقراطية والدولية
وتسببت الأزمة في زعزعة صورة كوريا الجنوبية كدولة ديمقراطية مستقرة، ورغم نجاح البرلمان في عرقلة محاولات يون لفرض الأحكام العرفية، إلا أنَّ هشاشة النظام السياسي الكوري باتت واضحة.
وأكدت يون جونج إن، أستاذة الأبحاث بجامعة كوريا، أنَّ الاحتجاجات الجماهيرية تعكس مقاومة شعبية ضد أي محاولات لتقويض الديمقراطية، وأضافت أن الكوريين ينظرون إلى الديمقراطية باعتبارها حقًا أصيلًا وليس امتيازًا.
ومن الناحية الدولية، تأثرت سمعة كوريا الجنوبية وعلاقاتها الدبلوماسية، وبينما كانت البلاد تأمل في تعزيز دورها على الساحة العالمية والانضمام إلى مجموعة الدول السبع، تلقت هذه الطموحات ضربة قاسية بسبب الأزمة الحالية.
في حال تعليق عمل الرئيس يون غدًا السبت، ستبقى تداعيات أفعاله السياسية ماثلة لسنوات، فبينما تحاول البلاد التعافي من آثار الأزمة، ستظل كوريا الجنوبية تواجه تحديات في استعادة ثقة شعبها والمجتمع الدولي.
في خضم أزمة سياسية ودستورية غير مسبوقة، تواجه كوريا الجنوبية نقاشًا حادًا حول مفهوم "الاستقالة المنظمة" للرئيس، وهي فكرة تصطدم بجدار الدستور الذي يحدد صلاحيات السلطة التنفيذية وحدودها.
وفي ظل أجواء مشحونة، ترتفع أصوات الخبراء القانونيين والسياسيين، محذرين من أن التداخل بين السياسة والقانون قد يهدد استقرار النظام الدستوري للبلاد، وفق تقرير لصحيفة "كوريا تايمز".
انتقادات لمفهوم "الاستقالة"
أثارت فكرة "الاستقالة المنظمة" التي أعلنها الحزب الحاكم ورئيس الوزراء جدلاً واسعًا بين الخبراء القانونيين، حيث أشار أستاذ القانون في جامعة كونكوك، هان سانغ هي، إلى أن هذا المفهوم لا أساس له في الدستور.
وأكد أن تعليق صلاحيات الرئيس لا يمكن أن يتم إلا من خلال الاستقالة الطوعية أو المساءلة البرلمانية، واصفًا المصطلحات المستخدمة بأنها "تعطل النظام الدستوري"، وأضاف أن رئيس الوزراء، بممارسته مهام وصلاحيات الرئيس، يُعد في الواقع مغتصبًا للسلطة التنفيذية، ما يشكل انتهاكًا للدستور.
الحزب الحاكم ودوره في إدارة الدولة
ناقش زعيم حزب "قوة الشعب" الحاكم ورئيس الوزراء خططًا لضمان استقرار الحكومة بعد إعلان الرئيس يون سوك يول المفاجئ للأحكام العرفية، وقد اتفقا على ضرورة استبعاد يون من مهامه، مع تعهد رئيس الوزراء بتولي إدارة شؤون الدولة بالتعاون مع الحزب الحاكم.
ومع ذلك، واجه هذا التدخل انتقادات حادة من خبراء مثل المحامي "نوه هي بوم" الذي شدّد على أن الحزب السياسي لا يملك صفة قانونية لإدارة شؤون الدولة، واصفًا هذا التدخل بأنه "غير مبرر وغير دستوري".
غموض في موقف الرئيس بكوريا
على الرغم من تصريحاته التي تعهد فيها بتسليم إدارة شؤون الدولة، أشار تشونج تاي هو، أستاذ القانون بجامعة كيونج هي، إلى أن الرئيس "يون" لا يزال قانونيًا مسؤولًا عن مهامه كرئيس. وأوضح أن أي إعلان من هذا النوع لا يعدو كونه بيانًا سياسيًا، لأن الدستور يمنع تفويض السلطات الرئاسية أثناء وجود الرئيس في منصبه.
هذا الغموض انعكس على قرارات الرئيس الأخيرة، حيث استمر في ممارسة سلطاته التنفيذية، بما في ذلك الإقالات والتعيينات في مناصب حساسة مثل جهاز الاستخبارات الوطني.
قيادة الجيش وسط أزمة دستورية
بالرغم من وعود الحزب الحاكم بتولي مسؤوليات الدفاع الوطني، أكدت وزارة الدفاع الوطني أن الرئيس "يون" يحتفظ بقيادة الجيش بصفته القائد الأعلى. يبرز هذا الوضع قيود الدستور على تفويض السلطة الرئاسية فيما يتعلق بالجيش، ما يزيد من تعقيد الأزمة السياسية والدستورية.
تعيش كوريا الجنوبية مرحلة حرجة تتشابك فيها السياسة مع القانون، وسط تساؤلات عن حدود السلطة التنفيذية ودور المؤسسات السياسية في إدارة الدولة. وبينما يتصاعد الجدل، يبقى مستقبل الرئيس "يون" ونظام الحكم في البلاد تحت المجهر، مع مخاوف متزايدة من تداعيات هذه الأزمة على استقرار النظام الدستوري.