من القاهــرة.. كايروترونيكا يرسم حدودا جديدة بين الجسد والذاكرة والذكاء الاصطناعي

«كايروترونيكا 2025».. فتحت القاهرة ذراعيها مجددًا للفنون المعاصرة والتجريبية بانطلاق النسخة الرابعة من مهرجان كايروترونيكا 2025، الذي يقام حتي 28 أبريل الجاري، تحت عنوان لافت «تجاوز الطبيعة»، ويجمع مشاركين من أكثر من 22 دولة عبر خمس قارات.

مهرجان كايروترونيكا يُعد أحد أبرز الفعاليات الفنية المخصصة للتقاطع بين الفنون والتكنولوجيا في الشرق الأوسط، يطرح هذا العام تساؤلات وجودية عن علاقتنا بالبيئة، والمراقبة، والهوية، والتقنيات الحديثة، في عالم باتت معالمه تتشكل أكثر فأكثر عبر الشاشات والمعادلات.

وبين جدران ذا فاكتوري، الهنجر، والجراج بوسط البلد، يتوزع أكثر من 40 عملًا فنيًا متنوعًا ما بين التركيبات التفاعلية، وأعمال الواقع الافتراضي، والفيديو آرت، والنحت الرقمي، والسرديات الصوتية والبصرية، التي تعكس همومًا محلية وعالمية في آنٍ واحد.

أصوات مصرية تروي الذاكرة والمنفى

من مصر، يشارك في مهرجان كايروترونيكا 2025 الفنان عاصم هنداوي بعمله «سيميا حيلة لمراوغة القدر»، فيلم بصري يستكشف تقاطع النبوءات القديمة مع الذكاء الاصطناعي، متسائلًا عن مدى قدرة الإنسان على التنبؤ بالواقع وصناعته باستخدام أدوات رقمية.

كما يقدّم الثنائي سامح الطويل ورانيا جعفر مشروعهما المشترك «وطن»، رحلة بصرية في سيولة الذاكرة والمنفى الثقافي، تصور أطلالًا منفية وهياكل تاريخية رقمية، كأنها صدى من حضارات ضائعة تسكن اليوم بين كودات وشاشات.

أما الفنان أبوالقاسم سلامة، فيشارك بفيلمه «مونولوج من التاسع»، عمل تجريبي يتنقل فيه بين الخوف والمراقبة والمقاومة في عالم ما بعد الحداثة، بينما يقدم يوسف منسي عملًا بصريًا بعنوان «ماذا يدور في بالك حين تفكر في؟»، عن علاقة عاطفية افتراضية، يختلط فيها الحنين بالعزلة، والتقنية بالمشاعر.

الفن العربي في قلب المعادلة

من السعودية، يقدّم محمد الفرج عملًا بصريًا شعريًا بعنوان «حرارة/في قلبي حرارة الشمس»، يوثق مشاهد من الأحساء عبر التصوير الحراري، كاشفًا تأثير المناخ على الجسد والروح.

ويشارك أيضًا الفنان خالد بن عفيف من السعودية بتركيبه الفني «أوافق»، الذي ينتقد استسلام البشر الطوعي لأنظمة المراقبة الرقمية، فيما تعرض الفنانة هيا الغانم من الكويت عملًا مرئيًا يعيد سرد العلاقة التاريخية بين الكويتيين والبحر من خلال الأرشيف والمشهد المعاصر.

ومن سوريا/كندا، تشارك جوى الخش بعمل «السماء السابعة»، مشروع يعيد إحياء آثار مدينة تدمر باستخدام تقنيات الهولوجرام، مؤكدًا على قدرة التكنولوجيا في ترميم الذاكرة بعد الحرب. 

كما يعرض الفنان هيثم زكرياء من تونس عملًا بعنوان «أوبرا الحجر»، يجمع فيه بين أساطير جبال الرديف وصور الرواة المحليين.

المشاركات العالمية.. من الجسم إلى الجغرافيا

من آسيا، يشارك الياباني كاتسوكي نوغامي بتجربة واقع افتراضي بعنوان «ذاكرة الجسد»، يستحضر فيها تاريخ الجسد والهوية، بينما يقدّم الثنائي الهندي براتيوش بوشكار وريا راجيني عملًا سمعيًّا بعنوان "بوليفونات دلهي"، يلتقط أصوات المدينة الخفية.

ومن جنوب أفريقيا، يُعرض «دزاتا»، معهد الوعي التكنولوجي، مشروع تركيبي يوثق الممارسات التكنولوجية الشعبية في القارة، ويطرح أفكارًا مبتكرة عن علاقة الأفارقة بالتطور الرقمي.

أما من كولومبيا، فيقدّم سانتياجو إسكوبار جاراميلو عملًا تفاعليًا يوثق مقاومة المجتمعات الساحلية للعنف وتهريب المخدرات، من خلال سرد بصري لتقاليدهم في مواجهة عالم متغيّر.

تجارب تفاعلية تبهر الزوار

من أبرز التجارب التفاعلية هذا العام، مشروع «جمال الأوركيد» للفنان فولكان دينشر «النمسا/تركيا»، حيث تتحول زهرة الأوركيد إلى كائن حي يتغذى على تفاعلات الجمهور على إنستغرام. كما تقدم الهولندية نوا يانزما عملًا بعنوان «باي كلاود»، يدعو للتأمل في مفهوم العدالة المناخية.

وتعرض الفنانة باتريسيا إتشيفيريا «إسبانيا/الولايات المتحدة» عملًا مؤثرًا بعنوان «تذكروا هذا المكان»، يروي قصة نساء فلسطينيات يحاولن الحفاظ على "المنزل الهش" في وجه العنف. ويختم الفنان السويسري مارك لي بعرض مستقبلي بعنوان «تطور تأملي»، يتخيل فيه مخلوقات هجينة تنمو بفعل تدخل التكنولوجيا.

كايروترونيكا هذا العام ليس مجرد مهرجان فني، بل مساحة فكرية وحسية تدعو الزوار للتساؤل حول موقعهم في عالم متغيّر، بين الطبيعة والتكنولوجيا، الجسد والآلة، الحنين والواقع الافتراضي.