ما علاقة هرمون الكورتيزول بزيادة دهون الجسم؟ اكتشف الرابط بين التوتر والسمنة

الكورتيزول، هذا الهرمون الذي يفرزه الجسم في لحظات التوتر والضغط النفسي، لم يعد مجرد اسم يتردد في أروقة الأبحاث الطبية بل أصبح محور نقاش كبير في دوائر الصحة العامة والتغذية، حيث تسلط الدراسات الحديثة الضوء على علاقته الوثيقة بـ«تراكم الدهون» في الجسم، ما يدفعنا لطرح سؤال بالغ الأهمية، ما علاقة هرمون الكورتيزول بزيادة دهون الجسم؟ وكيف يمكن أن يكون التوتر المزمن عاملاً رئيسيًا في تفاقم ظاهرة «السمنة» حول العالم؟.
الكورتيزول.. هرمون التوتر و«مخزن الدهون» الخفي
في الحالات العادية، يعمل هرمون الكورتيزول على تنظيم مجموعة واسعة من العمليات الحيوية في الجسم، مثل ضغط الدم، وسكر الدم، واستجابة الجهاز المناعي، إلا أن هذا التوازن سرعان ما يختل عند التعرض المستمر للضغوط النفسية، فيفرز الجسم الكورتيزول بكمية أكبر من المعتاد، مما يؤدي إلى تعطيل عمليات الأيض الطبيعية، ويحفّز الجسم على «تخزين الدهون» بدلًا من حرقها، خصوصًا في منطقة البطن.
ولا تتوقف تداعيات الكورتيزول عند هذا الحد، إذ أظهرت الأبحاث أن ارتفاع مستوياته المستمر يعزز من الرغبة في تناول أطعمة غنية بالدهون والسكر، وهي ما تُعرف علميًا بـ«comfort food»، لتتحول من وسيلة لتهدئة الأعصاب إلى سبب إضافي لزيادة الوزن، وهو ما يفسر السبب وراء تزايد معدلات السمنة بين الأفراد الذين يعانون من ضغوط مزمنة سواء في العمل أو العلاقات أو حتى الحياة اليومية المعتادة.
الكورتيزول وتوزيع الدهون في الجسم
من المثير للاهتمام أن «توزيع الدهون» في الجسم لا يتأثر فقط بما نأكله، بل يتأثر كذلك بمستويات الكورتيزول، فقد ثبت أن هذا الهرمون يوجه الجسم لتخزين الدهون في منطقة البطن أكثر من غيرها، وهو ما يسمى بالسمنة الحشوية، وهي النوع الأخطر لأنها ترتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والسكري من النوع الثاني.
وتشير بعض الدراسات إلى أن النساء يكنّ أكثر عرضة لتأثيرات الكورتيزول مقارنة بالرجال، لا سيما في فترات ما قبل الدورة الشهرية أو أثناء الحمل، حيث يرتفع مستوى التوتر الهرموني، ما قد يساهم في زيادة الوزن بسهولة أكبر، خصوصًا إذا لم يصاحب هذه المراحل نظام غذائي متوازن وممارسة للرياضة.
التوتر المزمن.. حلقة مغلقة من إفراز الكورتيزول وتخزين الدهون
تتمثل المشكلة الأساسية في أن الجسم، عند تعرضه للتوتر لفترة طويلة، يدخل في «حلقة مغلقة» يصعب كسرها، إذ يفرز الكورتيزول، مما يزيد من الشهية للطعام، فيزداد تناول السعرات الحرارية، وبالتالي يزداد الوزن، ثم تبدأ مشاعر الإحباط والذنب، مما يزيد من التوتر، فيفرز الجسم الكورتيزول من جديد.
وقد يعجز العديد من الأشخاص عن كسر هذه الدائرة بسبب غياب الوعي الكامل بدور الكورتيزول في العملية، فبينما يظن البعض أن زيادة الوزن ناتجة فقط عن قلة النشاط البدني أو سوء التغذية، تغيب عنهم العوامل الهرمونية التي تشكل حجر الأساس في استجابة الجسم للطعام والتخزين.
كيف نكسر دائرة الكورتيزول؟
الخبر الجيد أن التحكم في مستويات الكورتيزول ممكن وليس مستحيلاً، حيث تنصح الأبحاث باتباع مجموعة من الممارسات اليومية التي تساعد في تقليل التوتر وتخفيف إفراز هذا الهرمون، ومنها:
ممارسة تمارين الاسترخاء مثل اليوغا والتأمل
النوم لساعات كافية ومنتظمة
تناول وجبات صحية متوازنة وغنية بالألياف
التقليل من الكافيين والسكريات المصنعة
ممارسة الرياضة بانتظام ولكن دون إجهاد مفرط
بالإضافة إلى ذلك، فإن التواصل الاجتماعي الإيجابي وتخصيص وقت للأنشطة التي تبعث على السعادة يمكن أن يساهم في تخفيض مستويات الكورتيزول بصورة طبيعية.
أهمية الفحوصات ومراقبة التغيرات
ينبغي للأشخاص الذين يلاحظون تغيرات مفاجئة في الوزن، خاصة مع تزايد الدهون في منطقة البطن رغم الحفاظ على النظام الغذائي، أن يتوجهوا للطبيب لإجراء فحوصات لمستويات الكورتيزول في الجسم، فربما يكون هناك خلل هرموني يحتاج إلى تدخل متخصص، خصوصًا إذا كان هذا الخلل يؤثر على نوعية الحياة ويهدد الصحة العامة.
الكورتيزول ليس العدو.. بل مؤشر خطر
من الضروري الإشارة إلى أن الكورتيزول بحد ذاته ليس «العدو»، بل هو جزء من نظام دفاع الجسم الطبيعي، ولكن عندما يتحول إلى حالة مزمنة، يصبح مؤشر خطر يحتاج إلى الانتباه، والوعي بهذه العلاقة الدقيقة بين التوتر وزيادة الوزن هو الخطوة الأولى نحو التعامل الصحيح مع المشكلة.
فهم العلاقة بين الكورتيزول وزيادة دهون الجسم يفتح الباب أمام معالجة أعمق لمشكلات «السمنة» التي لا ترتبط فقط بعوامل ظاهرية مثل الطعام والحركة، بل بعوامل داخلية نفسية وهرمونية لا تقل أهمية، ويبدو أن «الراحة النفسية» لم تعد رفاهية، بل ضرورة بيولوجية لسلامة الجسم والوزن والصحة العامة.