الثلاثاء 09 سبتمبر 2025 الموافق 17 ربيع الأول 1447
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
القارئ نيوز القارئ نيوز
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
عاجل

إسبانيا تخطو نحو الضمير.. فهل تحذو حذوها دول العالم؟

القارئ نيوز

في عالم تطغى عليه لغة المصالح والصراعات، تبرق من الغرب إشارة نادرة تذكرنا بأن السياسة يمكن أن يكون لها روح، وأن الدبلوماسية يمكن أن تحمل ضميرًا.

 إسبانيا، بقيادة رئيس وزرائها بيدرو سانشيز، لم تعد تكتفي بالبيانات الدبلوماسية الرقيقة والإدانات المشروطة. 

اليوم، تترجم كلماتها إلى أفعال ملموسة وجريئة، تضع فيها القيم الإنسانية فوق كل اعتبار. 

في خطوة هي الأولى من نوعها بأوروبا، تتحول مدريد إلى عاصمة للضمير العالمي، لتطرح سؤالاً وجوديًا على الحكومات العربية والإسلامية: لماذا يتقدم الآخرون للدفاع عن قضيتنا بينما نحن الأكثر ترددًا؟ هذه ليست مجرد سياسة خارجية؛ إنها ثورة أخلاقية.

مرسوم ملكي تاريخي.. تجريم تصدير السلاح

أصدرت المملكة الإسبانية، بموجب مرسوم ملكي، قرارًا تاريخيًا يجرم تصدير الأسلحة بأنواعها إلى إسرائيل

هذا القرار ليس مجرد إجراء روتيني، بل هو تحول جوهري في السياسة يضع القانون الدولي وحقوق الإنسان في المقام الأول.

 جاء هذا القرار تتويجًا لموقف تبناه رئيس الوزراء سانشيز منذ أشهر، حيث كانت إسبانيا قد أوقفت مبيعات الأسلحة فعليًا في أكتوبر 2023، لتصبح اليوم أول دولة أوروبية كبرى تحول هذا القرار إلى قانون ملزم، مما يضع سابقة قانونية وسياسية ستشكل ضغطًا كبيرًا على الحلفاء الأوروبيين.

إغلاق الموانئ والمجال الجوي.. حصار أخلاقي

لم تكتفِ إسبانيا بحظر التصدير من أراضيها، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك بإعلانها إغلاق موانئها أمام البواخر التي تنقل الأسلحة والمنظومات الدفاعية إلى إسرائيل، ومنع ناقلات الوقود التي تزود الجيش الإسرائيلي من الرسو.

 كما أعلنت إغلاق مجالها الجوي أمام أي طائرات تحمل ذخائر أو أسلحة متجهة إلى الكيان المحتل. 

هذه الإجراءات تشكل حصارًا أخلاقيًا وعمليًا غير مسبوق، يعطل واحدة من أهم سلاسل التوريد لإسرائيل ويضرب مصالحها العسكرية في الصميم، مقدمةً درسًا في كيفية استخدام القوة الاقتصادية واللوجستية لخدمة السلام.

دعم الحياة.. تعزيز الدعم للإونروا وأهالي غزة

في الوقت الذي تسعى فيه لوقف نزيف الدم، تعمل إسبانيا أيضًا على مد يد العون لتضميد الجراح.

 أعلن سانشيز عن زيادة الدعم المالي لوكالة الأونروا التابعة للأمم المتحدة إلى 10 ملايين يورو إضافية، بهدف دعم العمليات الإغاثية الطارئة وإعادة إعمار القطاع المنكوب. 

هذا القرار يمثل إيمانًا راسخًا بدور «الأونروا» كشريان حياة لملايين الفلسطينيين، ورفضًا واضحًا للمحاولات النظامية لشيطنة الوكالة وتجفيف مصادر تمويلها، مؤكدًا أن دعم الحقوق الفلسطينية لا يكتمل إلا بدعم صمودهم الإنساني.

سؤال يطرق ضمير الأمة.. لماذا لم نكن نحن الأسبق؟

هنا يبرز السؤال المحوري الذي يهز الضمير العربي والإسلامي: لماذا تأخرنا؟ لماذا لم تكن الموانئ العربية والإسلامية هي الأولى في إغلاق أبوابها في وجه سفن الموت المتجهة إلى إسرائيل؟ لماذا تتصدر إسبانيا، البعيدة جغرافيًا عن الصراع، المشهد الأخلاقي بينما تقف حكوماتنا موقف المتفرج، أو الأسوأ، الشريك الصامت؟ إن هذا السؤال ليس استفزازيًا، بل هو نداء استغاثة من شعوب ترفض أن تكون قياداتها في ذيل الأمم، بينما قضيتها تحتاج إلى قادة شجعان يضعون إرادة شعوبهم فوق أي ضغوط أو تبعية.

ضغط الشعوب.. قرار إسبانيا يلهب الشارع العالمي ويضع الحكومات في موقف محرج

لم يكن القرار الإسباني مجرد تحرك دبلوماسي منعزل، بل كان صدمة كهربائية للضمير العالمي، ولقي القرار ترحيبًا حارًا من قبل شعوب العالم التي خرجت في مسيرات تأييد وطالبت حكوماتها، من واشنطن إلى لندن وبرلين، بالحذو حذو مدريد فورًا ودون أي تراخٍ. 

هذا القبول الشعبي الواسع يكشف فجوة هائلة بين إرادة المواطنين في جميع أنحاء العالم وبين سياسات حكوماتهم التي لا تزال ترتهن للمصالح الضيقة والروابط التقليدية. 

لقد نجحت إسبانيا في تحويل قضية فلسطين من قضية «شرق أوسطية» إلى قضية إنسانية عالمية، ووضعت كل حكومة متخاذلة، خاصة العربية منها، في موقف المدافع عن موقف غير أخلاقي وغير شعبي في الوقت ذاته.

وأختم مقالي بالقول لقد ألقَت إسبانيا الكرة الآن في ملعبنا، لقد رسمت طريقًا للشرف لم نجرؤ نحن على السير فيه.

 لقد أثبتت أن الإرادة السياسية الحقيقية قادرة على تحطيم قيود الواقعية السلبية والتبعية المقيتة.

 إن صمت حكوماتنا العربية والإسلامية لم يعد مقبولاً، بل أصبح وصمة عار على جبين التاريخ

إن شعوبنا التي خرجت بالملايين ترفض أن تكون أرخص من شعب إسبانيا وأقل كرامة من حكومتها.

 لقد حان الوقت لنسأل حكوماتنا: إما أن تقفوا مع إرادة شعوبكم وتَحذوا حذو إسبانيا، أو تفسحوا الطريق لأجيال لن تغفر لكم تقاعسكم. 

الدم الفلسطيني أغلى من كل المصالح، والقدس أعز من كل العروش، إنها معركة ضمير، فمن المنتصر فيها؟.

تم نسخ الرابط