الجمعة 21 نوفمبر 2025 الموافق 30 جمادى الأولى 1447
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
القارئ نيوز القارئ نيوز
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
عاجل

لغز «وستكار».. بردية مصرية تروي حكاية الساحر الذي شق الماء

بردية ويستكار
بردية ويستكار

تحتفظ بردية «وستكار» أو «خوفو والسحرة» بواحدة من أكثر الحكايات سحراً وغنى في الأدب المصري القديم، وهذه البردية، التي تحمل اليوم رقم بردية برلين 3033، تُؤرخ عادة إلى عصر الهكسوس (حوالي 1650–1550 ق.م)، لكنها تدور أحداثها وحكاياتها في زمن أقدم بكثير هو عصر الأسرة الرابعة (حوالي 2613–2494 ق.م)، وتحديداً في بلاط الملك خوفو، باني الهرم الأكبر.

وتكتسب البردية أهمية قصوى ليس فقط كوثيقة تاريخية، بل كنص أدبي تخييلي يُجسّد إيمان المصريين القدماء بقوة الكلمة والسحر وقدرة الكاهن على السيطرة على عناصر الطبيعة.

 وتحولت اليوم إلى مادة لجدل واسع بين الباحثين والكتّاب غير المتخصصين بسبب احتوائها على حكاية «شق الماء».

مجلس الملك: 5 قصص عن الخوارق والمعجزات

تتضمن بردية وستكار خمس قصص متتالية تُروى في مجلس الملك خوفو للتسلية والإبهار، حيث يتناوب أبناء الملك على رواية هذه الحكايات التي تدور كلها حول المعجزات والخوارق.

في كل قصة، يظهر كاهن أو ساحر يمتلك قدرات خارقة، تتنوع بين:

إحياء أجزاء من جسد حيوان مقطوع.

التنبؤ بميلاد ملوك جدد سيحكمون مصر.

إثبات قدرة الكهنة على إعادة النظام إلى الطبيعة.

لكن الحكاية التي تحظى بالشهرة الأكبر عند القارئ المعاصر، وتثير المقارنات التاريخية والدينية، هي قصة الملك سنفرو (والد خوفو) والساحر الذي شق مياه البحيرة.

 بردية وستكار
 بردية وستكار

قصة الملك سنفرو والقلادة الساقطة

تبدأ القصة كما ترويها البردية بملك حزين وملول، هو سنفرو، أحد ملوك الأسرة الرابعة. كان الملك يجوب أرجاء قصره بحثاً عما يبدد شعوره بالضجر، فينصحه مستشاره وكبير الكهنة و«كاتب الكتب»، واسمه دجادجا أمنخ، بالخروج في نزهة نيلية على بحيرة القصر.

مشهد الترفيه: تضمنت النصيحة أن يرافق الملك مجموعة من أجمل فتيات الحاشية، لكي يجد في مشهدهن وهن يجدفن ما يُدخل السرور على قلبه، استجاب الملك وجهز عشرين مجدافاً من الأبنوس المرصع بالذهب.

الحادثة: أثناء الرحلة المبهجة، تسقط قلادة ثمينة على هيئة سمكة، مصنوعة من الفيروز أو الملاخيت، كانت تعلقها إحدى الفتيات حول عنقها، فتغوص في مياه البحيرة.

تتوقف الفتاة عن التجديف، مما يخل بإيقاع الرحلة. يسألها الملك عن السبب، فتخبره بما حدث وتُصر على استعادة حليّتها الأصلية. 

ورغم عرض سنفرو تعويضها بأفضل ما في كنوز القصر، ترفض الفتاة وتجيب، كما ينقل النص، بأنها «تفضِّل ملكيتها الخاصة على أى بديل».

المعجزة الكهنوتية: شق الماء بكلمة سرية

عند هذه النقطة الحاسمة، يعود الملك إلى مستشاره الساحر دجادجا أمنخ طالباً الحل. يستجيب الكاهن بـ «تعويذة سرية» يتحول بها المشهد إلى عمل خارق:

انشقاق البحيرة: تتحرك مياه البحيرة انصياعاً لسحر الكاهن، وينشق الماء إلى نصفين، ليتم وضع أحد جانبي البحيرة فوق الآخر، فيجف القاع في الجزء المقابل.

عمق مضاعف: يتضاعف عمق الماء في الجانب الآخر من اثنى عشر ذراعاً إلى أربعة وعشرين ذراعاً، وفقاً للتعبير القديم للنص.

استعادة القلادة: يمشي الساحر على أرض البحيرة الجافة، ويعثر على القلادة وهي مستقرّة فوق شقفة من الفخار، ويعيدها إلى صاحبتها.

عودة المياه: يطلق الساحر تعويذة أخرى تُعيد المياه إلى موضعها الأول.

قضى الملك بقية اليوم في احتفال مبهج، وأغدق الهبات على الساحر شكرًا له على «شق الماء» واستعادة سرور البلاط.

جدل القراءات الحديثة والأهمية الأدبية

تحولت هذه الحكاية، التي كانت في الأصل «قصة ترفيهية» تُحكى في مجلس ملك، إلى مادة جدل واسع في العصر الحديث.

رأي الجدل: يرى بعض الكتّاب غير المتخصصين أن فيها «أصلًا مصريًا» لفكرة انشقاق البحر المذكورة في قصص دينية لاحقة.

رأي الباحثين: يتعامل الباحثون في الأدب المصرى القديم مع بردية وستكار بوصفها «نصًا أدبياً تخييليًا» ليسجل تاريخياً، بل هي تعبر عن فلسفة المصريين في فهمهم للسحر ودوره في النظام الكوني (ماعت).

تكتسب البردية أهميتها الكبرى من كونها تقدم واحدة من أقدم الصور الأدبية لشخصية «الساحر المصرى» في الثقافة الإنسانية؛ رجل يجمع بين الدين والعلم، يستخدم قوة اللغة والتعاويذ لإعادة النظام إلى العالم.

تاريخ البردية ورحلتها إلى برلين

النسخة الباقية من البردية تتكون من اثنى عشر لفافة، وقد كتبت في حقبة الهكسوس، لكن يُعتقد أن جزءاً منها كُتب في عصر الأسرة الثانية عشر، وقد استخدمها المؤرخون كمصدر أدبي للتأريخ للأسرة الرابعة.

اكتشافها: في عام 1839، قدم هنرى وستكار البردية إلى عالم المصريات «كارل ريتشارد بسيوس».

فك الطلاسم: لم يتمكن بسيوس من فك طلاسم النص، إلى أن استطاع العالم "أدولف إيرمان" فكها وترجمتها في عام 1890.

مكان العرض: البردية معروضة الآن في «إضاءة خافتة» في المتحف المصري ببرلين، ولا يتوقف حضورها عند قاعة العرض، بل يمتد إلى الأبحاث والدراسات حول خيال المصري القديم.

تم نسخ الرابط