وراء اللوحة.. لماذا رُسمت النساء بعصر النهضة بـ«جباه عريضة»؟

الأربعاء 19/نوفمبر/2025 - 08:37 م

امتد عصر النهضة الأوروبية من القرن الرابع عشر إلى القرن السابع عشر، ليشكل جسراً حيوياً بين العصور الوسطى والعصر الحديث.

وتميزت هذه الفترة بتحولات جذرية وتطورات ثقافية وفنية وفكرية غير مسبوقة، إلى جانب اهتمام متزايد بالدراسات والقيم الكلاسيكية التي شكلت أساس الحضارة الأوروبية الحديثة.

خلال هذه الفترة المؤثرة، ازدهرت الفنون، وتم نقش أسماء عمالقة الفن التشكيلي مثل ليوناردو دافنشي، ومايكل أنجلو، ورافائيل، وبوتيتشيلي إلى الأبد في التاريخ.

لكن اللافت للنظر في أعمال هؤلاء العمالقة، إلى جانب دقة التفاصيل وعبقرية الأداء، هو المظهر الجمالي الغريب الذي صوروا به النماذج البشرية، خاصة النساء.

اللغز البصري: الجباه العريضة في الفن الكلاسيكي

إذا ما دققت النظر في صور هذه الحقبة، فستلاحظ غلبة لافتة لـ «الحواجب الواسعة والجباه العالية»، خاصة في صور النساء.

أمثلة فنية راسخة

الأمثلة على هذا المظهر كثيرة وموثقة في أيقونات فنية شهيرة:

«صورة سيدة» لروجير فان دير وايدن.

«صورة فتاة صغيرة» لبيتروس كريستوس.

العديد من صور النساء الأرستقراطيات التي رسمها يان فان آيك.

بالنسبة لجمهور معاصر، قد يعد هذا مظهرًا غريبًا أو حتى مبالغاً فيه، مما يطرح تساؤلاً جوهرياً: ما الذي كان يحدث هنا تحديدًا؟ يوضح موقع «هيستورى فاكت» أن هذا الأمر لم يكن مجرد صدفة أو نزوة فنية، بل كان انعكاساً لمعايير الجمال السائدة.

معايير الجمال في عصر النهضة: الجبهة هي التاج

كشف موقع «هيستورى فاكت» أن الجباه الكبيرة التي ظهرت في العديد من أعمال عصر النهضة الفنية لم تكن مجرد مبالغات إبداعية أو غرائب تشريحية.

بل كانت هذه الصور انعكاسات مقصودة لمعايير الجمال المقبولة في ذلك الوقت.

الجمال والفضيلة والذكاء

علامة الجمال: خلال عصر النهضة، اعتبرت الجبهة العريضة العالية علامة مميزة لجمال المرأة.

الذكاء والفضيلة: لم يكن المظهر الجمالي هو الدافع الوحيد؛ بل كان يُعتقد أن الحاجب الممتد يوحي بـ «دماغ أكبر»، وبالتالي كان يُنظر إلى الجبهة العريضة على أنها علامة على فضيلة المرأة وذكائها.

البراءة والنقاء: كما أعطى هذا المظهر وجوه الناس مظهراً «أشبه بالأطفال»، ربما في جهد مقصود لتجسيد قيم النقاء والبراءة التي سادت ذلك العصر، وخاصة في التمثيلات الدينية.

تأثير الأدب والشعر: جذور الموضة الجمالية

من المستحيل تحديد متى أو أين أو حتى لماذا ظهرت هذه الموضة تحديدًا بشكل قاطع، ولكن من المرجح أنها تأثرت بشكل كبير بالأدب الكلاسيكي والشعر الذي ازدهر في تلك الحقبة.

الشاعر بترارك: في القرن الرابع عشر، كتب الشاعر الإيطالي بترارك عن حبيبته الأسطورية لورا، حيث علق أحيانًا على «جبينها الجميل» كصفة أساسية من صفات جمالها.

جيفري تشوسر: في «المقدمة العامة» لكتاب «حكايات كانتربري» الذي كُتب بين عامي 1387 و1400، يشبه وصف الكاتب للراهبة معايير الجمال السائدة في عصر النهضة إلى حد كبير.

التنظير الجمالي في القرن السادس عشر

أصبحت هذه النظرة راسخة بعمق في عصر النهضة، وهو ما وثقه الكاتب والشاعر الإيطالي أنيولو فيرينزولا في القرن السادس عشر في عمله بعنوان «في جمال المرأة». يقترح فيرينزولا بوضوح:

«يجب أن تكون الجبهة عريضة، عالية، فاتحة، وهادئة. يفضل الكثيرون أن يكون ارتفاعها، الذي يُقاس من منبت الشعر إلى حافة الحاجبين والأنف، ثلث الوجه».

هذا التنظير الدقيق يؤكد أن الجبهة العريضة لم تكن مجرد اتجاه، بل كانت معياراً هندسياً للجمال الأنثوي، تم تطبيقه بوعي كامل من قبل الفنانين لتلبية ذوق الطبقات الأرستقراطية والرعاة الفنيين.

لتحقيق هذا المظهر، كانت النساء يلجأن أحياناً إلى «نتف شعر الحاجبين بالكامل» وإزالة الشعر من مقدمة الرأس لزيادة ارتفاع الجبهة بشكل مصطنع، مما يضمن أن تتوافق صورتهن مع المعايير الجمالية المتمثلة في النقاء الفكري والأنوثة الرقيقة المطلوبة في البلاط الملكي والدوائر الأرستقراطية.