الإفتاء توضح حكم نسب الأعمال الكتابية لغير كاتبها
في خطوة جديدة تواكب التطور العلمي والأدبي، أجابت دار الإفتاء المصرية عن استفسار ورد إليها عبر موقعها الرسمي حول حكم نسب الأعمال الكتابية، مثل الكتب والمقالات، إلى غير أصحابها، هذا الاستفسار الذى شغل العديد من الكتاب والباحثين في مختلف المجالات الأدبية والفكرية، تناول قضية خطيرة تتعلق بالأمانة العلمية والشرعية في إسناد الأعمال الكتابية إلى غير كاتبيها، وقد شددت دار الإفتاء على أن هذا الفعل يعد من المحرمات الشرعية التي تحوي في طياتها العديد من المخالفات الدينية والأخلاقية.
مفهوم الأمانة العلمية في الكتابة
في الإجابة التي قدمتها دار الإفتاء، أكدت أن الأمانة العلمية تُعد من أسمى المبادئ التي يجب على كل باحث وكاتب اتباعها، فالأمانة العلمية تتطلب من الباحث أن ينسب كل عمل إلى صاحبه، وألا يروج لنفسه بعمل لم يُبذل فيه الجهد الكافي، وتحت هذا السياق، أشار البيان إلى أن الأمانة العلمية تتضمن ضرورة إسناد الأقوال والأعمال إلى مصادرها الأصلية، وهو ما يحفظ الصدق ويضمن نقل المعرفة بشكل دقيق ومنهجي.
من المؤكد أن الأعمال الكتابية - سواء كانت كتبًا أم مقالات أم أبحاثًا - تحمل في طياتها جهدًا فكريًا وعلميًا يجب أن يُحترم ويُنسب إلى أصحابه، وهذا ليس مجرد احترام لحق المؤلف، بل هو من أساسيات العلم والشرف المهني في كافة التخصصات، وعليه فإن نسبة الأعمال الكتابية إلى غير كاتبها يشكل انتهاكًا لهذه الأمانة ويُعد خيانة علمية لا تغتفر.
الأدلة الشرعية على تحريمه
واستندت دار الإفتاء في بيان حكمها إلى العديد من النصوص الشرعية التي تحث على الأمانة والصدق، فقد أشار الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم، الذي قال: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ»، وهو ما يعكس أهمية الأمانة في الإسلام، فالعلماء الذين يساهمون في نشر المعرفة مطالبون بنسبتها إلى أصحابها، ولا يجوز لهم الادعاء بما ليس لهم، فهذا يتعارض مع أخلاقيات الإسلام.
ويُعد تحريف أو إخفاء مصادر المعلومات الكذب بعينه، وهو ما حرمه الدين الإسلامي في العديد من النصوص الشرعية، وقد جاء في الحديث الصحيح: «إِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ؛ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ»، مما يوضح بشكل جلي أن الكذب، بأي شكل من الأشكال، هو أمر محرم شرعًا ويجب الابتعاد عنه.
الغش والكذب في نسب الأعمال الكتابية
أوضح البيان أن الغش والكذب هما الجنايات الأساسية المرتبطة بنسب الأعمال الكتابية إلى غير أصحابها، فالكاتب الذي ينسب إلى نفسه مؤلفًا لم يكتب عليه أن يواجه عقوبات شرعية وأخلاقية، كما أن هذا الفعل يمكن أن يؤدي إلى تضليل القارئ وإيهامه بأن المؤلف هو صاحب الفكر بينما هو في الحقيقة لم يبذل فيه جهدًا. وعليه، يظل هذا الفعل من أبرز ألوان الغش في المجتمع العلمي الذي يجب تحريمه بشدة.
من جانب آخر، يتسبب نسب الأعمال الكتابية إلى غير أصحابها في تضليل القارئ والمجتمع العلمي بشكل عام، حيث يتوهم البعض أن هذا العمل هو نتاج فكر الشخص الذي نسبه إليه، بينما في الواقع، هو من جهود الآخرين، وهذا بدوره يؤدي إلى الخلط بين الجهود الفردية ويحجب الفائدة الحقيقية التي يمكن أن تتحقق عندما ينسب كل عمل إلى أصحابه.
العقوبات الشرعية والقانونية
في ذات السياق، أكدت دار الإفتاء أن هذا الفعل يعد نوعًا من “التشبع بما لم يُعطَ”، وهو ما يتناقض مع القيم الإسلامية التي تحث على الأمانة والإخلاص، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من “التشبع بما لم يُعطَ”، وقال: «الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ»، وهو حديث يُظهر أن ادعاء الإنسان ما ليس له من أعمال هو بمثابة لباس زور يُظهر للناس شيئًا لا يمت إليه بصلة.
من جانب آخر، تتفق القوانين المصرية مع الفتاوى الشرعية، حيث يكفل قانون حماية حقوق الملكية الفكرية حق المؤلف في نسب أعماله إليه، وقد نصت المادة (140) من قانون حماية الملكية الفكرية على أن المؤلفين يتمتعون بحقوق استئثارية على مؤلفاتهم الأدبية والفنية، ويجب احترام هذه الحقوق بشكل صارم.
إن نسب الأعمال الكتابية إلى غير أصحابها يعد خرقًا للأمانة العلمية ويُعتبر فعلًا محرمًا شرعًا، فالعلماء والمفكرون مطالبون بنسب أعمالهم إلى أصحابها احترامًا للأمانة، وعدم تحريف الحقيقة. هذا الفعل ليس فقط يخالف المبادئ الأخلاقية، بل يمكن أن يؤدي إلى تضليل الآخرين وإيهامهم بأشياء غير حقيقية، ومن ثم فإن من الضروري أن يتحلى الجميع بالصدق والأمانة في نسب الأعمال إلى مؤلفيها لضمان استفادة المجتمع من المعرفة بشكل صحيح.