كل ما تريد معرفته عن الطواف في الحج.. الشروط والسنن والأخطاء الشائعة

في كل موسم من مواسم الحج، يتوجه الملايين من المسلمين إلى بيت الله الحرام قاصدين أداء مناسك الحج كما شرعها الله تعالى، وتأتي فريضة الحج جامعة بين أركان تعبدية عظيمة، من أبرزها الطواف الذي يُعد من أعظم الشعائر التي لا يتم الحج إلا بها، وقد أكدت دار الإفتاء المصرية عبر موقعها الرسمي على مكانة الطواف وأهميته، موضحة أنه ركن أساسي في الحج لا يصح النسك بدونه، إذ شرعه الله تعالى تحيةً للبيت العتيق ومظهراً من مظاهر تعظيم شعائره، كما أنه يعبر عن تجديد العهد والولاء لله تعالى وحده، وهذا الطقس العظيم يحمل في طياته مشاعر الإخلاص والخضوع والانقياد لرب العالمين، ويُجسد صورة من صور العبودية الكاملة لله عز وجل.
الطواف.. عبادة قلبية وبدنية
أكدت دار الإفتاء أن الطواف شعيرة تمتزج فيها حركة البدن بخشوع القلب، إذ يؤديها المسلم وهو يستشعر وقوفه في أقدس بقاع الأرض، وكل خطوة يخطوها هي دليل على حبه لله واستسلامه الكامل لأمره، ولهذا السبب كان لزاماً على المسلم أن يراعي آداب هذه العبادة العظيمة وأن يؤديها بنيّة خالصة وطهارة ظاهرية وباطنية، فقد ذكرت الإفتاء أن الطواف لا يُعد صحيحاً إلا إذا التزم الطائف بمجموعة من الشروط والسنن والأحكام الدقيقة التي بيّنها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته.
أنواع الطواف حول الكعبة في مناسك الحج
أوضحت دار الإفتاء أن الطواف في الحج ليس نوعاً واحداً بل يختلف حسب نوع النسك والزمان، إذ شرع الله عز وجل للمسلمين أنواعاً مختلفة من الطواف تؤدى في أوقات متفرقة خلال الرحلة المباركة إلى البيت الحرام، وهي كما يلي:
طواف القدوم- وهو أول ما يفعله الحاج أو المعتمر عند وصوله إلى مكة، ويُعد سنة في حق الحاج بينما هو ركن من أركان العمرة لا تصح إلا به.
طواف الإفاضة- وهو الركن الأعظم من أركان الحج، ويقع بعد الوقوف بعرفة والمبيت في مزدلفة، ويكون بعد التحلل الأول، ولا يتم الحج إلا به لأنه من الأركان التي لا يُجبر تركها بدم ولا نيابة.
طواف الوداع- وهو آخر شعيرة يؤديها الحاج عند مغادرة مكة بعد استكمال مناسكه، وقد أجمعت جماهير العلماء على وجوبه إلا للمرأة الحائض، أما المعتمر فلا يطوف إلا طوافاً واحداً، وهو طواف الركن.
كيفية أداء الطواف وصفته الكاملة
ولمن يسعى إلى معرفة كيفية أداء الطواف على النحو الصحيح، فقد بيّنت دار الإفتاء الخطوات المفصلة التي يجب على المسلم اتباعها، حيث يبدأ الطواف من عند الحجر الأسود، ويُستحب تقبيله إذا تيسر، دون إيذاء الناس أو مزاحمتهم، وإن تعذر ذلك فيكفي استلامه باليد ثم تقبيل اليد أو الإشارة إليه من بعيد.
يلتزم الرجل بالاضطباع عند بدء الطواف، فيجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن ويلقي طرفيه على كتفه الأيسر، بينما لا يُشرع ذلك للنساء، وينوي الطائف بقلبه الطواف لله عز وجل، ثم يسير جاعلاً الكعبة على يساره، ويتحرك في عكس اتجاه عقارب الساعة.
يطوف الحاج سبعة أشواط كاملة، يبدأ كل شوط منها من الحجر الأسود وينتهي إليه، ويُسنّ للرجال الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى، وهو الإسراع الخفيف في المشي، على أن يكمل الأشواط الأربعة الأخيرة مشياً عادياً، أما المرأة فتمشي جميع الأشواط مشياً معتدلاً دون رمل.
يمر الطائف خلال طوافه بالملتزم والركن اليماني، ويُستحب استلام الركن اليماني دون تقبيله، كما يُكثر من الذكر والدعاء أثناء الطواف، دون تخصيص دعاء معين لكل شوط، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاؤه بين الركن اليماني والحجر الأسود: “ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار”.
بعد الانتهاء من الأشواط السبعة، يُستحب أن يصلي الطائف ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام، أو في أي مكان متاح داخل المسجد الحرام إن تعذر ذلك، ويقرأ في الركعتين بسورتي “الكافرون” و”الإخلاص” إن تيسر له، كما فعل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
أهم أحكام الطواف وشروطه
أشارت دار الإفتاء إلى عدد من الأحكام المهمة التي يجب على الحاج معرفتها قبل أداء الطواف، ومنها أن الطواف لا يكون إلا داخل حدود المسجد الحرام وخارج جدار الكعبة والحِجر، كما أن الطهارة شرط أساسي لصحة الطواف عند جمهور العلماء، ويجب ستر العورة للرجال والنساء على السواء.
من الأمور التي يجب مراعاتها كذلك أن الطواف لا يصح إذا فقد الطائف الطهارة، أو لم يستكمل الأشواط السبعة، وفي حال الشك في عدد الأشواط، يجب البناء على الأقل تيقناً، كما أن على المرأة أن تؤدي الطواف محتشمة دون اضطباع أو رمل، حفاظاً على كرامتها وهيبتها في هذا المكان الطاهر.
الحج والطواف.. ارتباط لا ينفك
الطواف في الحج ليس مجرد حركة دائرية يؤديها الحاج، بل هو عبادة عظيمة تشمل ذكر الله والدعاء والخشوع والخضوع، ولهذا كان الطواف من الشعائر التي يتكرر ذكرها في القرآن والسنة، ويحتل مكانة بارزة في فقه المناسك، إذ لا يتم الحج إلا به ولا يُغني عنه غيره.
وقد أكدت دار الإفتاء أن الطواف يُؤتى بيقين، لا شك فيه، ويُشترط له النية والطهارة، كما ينبغي أن يؤديه المسلم بنفسه دون نيابة، باستثناء أصحاب الأعذار المعتبرة، ومن ثم فإن إتقان الحاج لأداء هذه الشعيرة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم هو السبيل الأضمن لقبول عمله ونيل الأجر العظيم.
الطواف روح الحج وسر قبوله
في نهاية حديثها، شددت دار الإفتاء على أن الطواف يُعدّ من أعظم أركان الحج، فهو الركن الذي يرافق الحاج منذ دخوله مكة حتى مغادرتها، ويُعد خلاصة روحانية تجمع بين القلب والبدن، وتختصر معاني التوحيد والولاء لله تعالى، ولذلك كان تعلم أحكامه وصفته وشروطه من أهم ما ينبغي أن يحرص عليه المسلم قبل التوجه إلى بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج، فالطواف الصحيح لا يُكمل به الحج فقط، بل يُكمل به العبد خضوعه لله وصدق توجهه إليه.