هل يجوز التبرك بماء زمزم؟.. تعرف على فضل شربه ومتى يكون مستحبا؟

زمزم هو أول ما يرد إلى ذهن المسلم حين يُذكر الماء المبارك، فقد اختص الله هذا النبع بمكانة عظيمة وفضل لا يُدانيه فضل، وتعد «ماء زمزم» من «النفحات الربانية» التي وهبها الله لأمة الإسلام، إذ ارتبطت بالمواقف الإيمانية والقصص النبوية العظيمة، ولذا فإن شرب ماء زمزم بنية «التبرك» والدعاء يدخل ضمن السنن المستحبة والمأثورة، ويُعد من «الأعمال الصالحة» التي يرجى بها الخير والبركة في الدنيا والآخرة.
شرب ماء زمزم بنية التبرك
ثبت أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم شرب ماء زمزم قائماً، وهو ما ورد في حديث ابن عباس رضي الله عنهما عندما قال «سقيت رسول الله من زمزم فشرب وهو قائم»، فيُستحب للمسلم أن يشرب زمزم كما فعل النبي الكريم، سواء كان ذلك للشفاء أو للبركة أو بنية تحقيق الأمنيات وقضاء الحوائج، فهذا الماء الطيب لا يُشرب إلا بنية صالحة وتوجه خالص لله عز وجل.
ويؤكد العلماء أن شرب ماء زمزم بنية التبرك والدعاء ليس فقط جائزًا، بل هو من الأمور المستحبة، لأن زمزم ليس ماءً عاديًا، بل هو ماء مبارك له خصائص لا توجد في غيره من المياه، وقد أشار النبي الكريم إلى ذلك بقوله «إنها مباركة إنها طعام طُعم» أي أنه يغني عن الطعام ويشبع شاربَه.
زمزم ومواقف من السلف الصالح
ومن القصص الجميلة المرتبطة بـ «زمزم»، ما روي عن الإمام ابن القيم رحمه الله، حيث كان يشرب من ماء زمزم بعد قراءة سورة الفاتحة عليه عدة مرات، وكان يشعر بقوة ونشاط وطمأنينة، وكان يرى أن ذلك من فضل الله عليه من بركة زمزم، ولا يُعد هذا بدعة، بل هو اجتهاد مبني على الإيمان بفضل زمزم، وهو لا يخالف الشريعة، لأن ترك النبي صلى الله عليه وسلم لشيء لا يعني بالضرورة تحريمه.
بل إن أحد الشيوخ الأجلاء كان يداوم على قول «يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث» بعد كل سنة من الصلوات 40 مرة، وكان يشعر بحياة تتجدد في قلبه مع كل مرة، وهذا الأمر رغم أنه لم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه لا يُعد مخالفة، بل هو باب من أبواب «الذكر» المشروع المستند إلى نصوص عامة تدعو إلى الإكثار من ذكر الله والتوسل إليه بأسمائه وصفاته.
زمزم والكرامات الإلهية
وبئر زمزم ليس مجرد بئر مائي، بل هو «كرامة إلهية» أكرم الله بها هاجر وابنها إسماعيل عليهما السلام، فقد نبع من تحت قدمي نبي الله إسماعيل وهو رضيع، بعدما تركه سيدنا إبراهيم عليه السلام في وادٍ غير ذي زرع، امتثالًا لأمر الله، وكانت تلك اللحظة بمثابة بداية لمعجزة أزلية بقيت إلى يوم الناس هذا.
وفي هذا السياق، أشار مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية إلى أن زمزم هي أشهر وأعظم بئر على وجه الأرض، وتقع في قلب الحرم المكي، ويبلغ عمقها حوالي ثلاثين مترًا، وسميت زمزم لكثرة مائها كما قيل، وقيل أيضًا إن السيدة هاجر عليها السلام نادت عندما تفجر ماؤها «زِم زِم» أي انمُ وزد، فكان الاسم عنوانًا لحياة بدأت من رحم الصحراء إلى أن أصبحت مشهدًا خالدًا من مشاهد الإيمان.
فضل زمزم في القرآن الكريم
وجاء في القرآن الكريم ما يؤكد أن زمزم هي أولى الثمرات التي وهبها الله لعبده إبراهيم وأهل بيته، إذ دعا إبراهيم ربه فقال «ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون»، في إشارة إلى أن ماء زمزم كان أول رزق من الله في هذا الوادي الجاف، ليكون حجة على الناس ومعجزة يتحدث بها كل جيل.
زمزم بين التبرك والتداوي
لم يكن فضل زمزم في البركة فقط، بل تعداه إلى «التداوي» أيضًا، فقد شربه المسلمون في كل العصور لطلب الشفاء من الأسقام والأمراض، ولقد أثبتت بعض الدراسات الحديثة أن ماء زمزم يتميز بتركيبة فريدة من الأملاح والمعادن، لا توجد في أي ماء آخر على وجه الأرض، مما يدعم التوجه العلمي لفهم خصوصية هذا الماء وسبب تأثيره المختلف على النفس والجسد.
وعليه فإن شرب ماء زمزم بنية الشفاء أو التوفيق أو قضاء الحاجة ليس فقط أمرًا جائزًا، بل هو مشروع ومستحب، لأنه يجمع بين اليقين بالله وبين العمل الصالح، ويُعد من صور حسن التوكل على الله.
زمن زمزم إلى اليوم
وبالرغم من مرور آلاف السنين على ظهور بئر زمزم، فإن ماءه لا ينضب، وهذه معجزة بحد ذاتها، فكم من ملايين الحجاج والمعتمرين يشربون منه يوميًا، بل يُحمل إلى أقطار الأرض في قوارير صغيرة يتبرك بها الناس، ويحافظون عليها كما لو كانت كنزًا ربانيًا، ويكثر استعماله في الأوقات التي يُرجى فيها القرب من الله، كأيام رمضان والحج والعمرة وليالي القدر وغيرها.
كيف يُشرب ماء زمزم
أما عن آداب شرب ماء زمزم، فقد أشار العلماء إلى أنه يُستحب أن يُشرب على ثلاث مرات، مع استقبال القبلة، وذكر اسم الله، والدعاء بعد الانتهاء، كما يُستحب أن يكون الشرب بنية خالصة، سواء للشفاء أو البركة أو العلم أو الهداية، فقد قيل «ماء زمزم لما شُرب له»، وهذا دليل على أنه يحقق النوايا الصادقة بإذن الله تعالى.
زمزم في حياة المسلم
يبقى ماء زمزم رمزًا من رموز البركة والكرم الإلهي، فمن خلال هذا الماء تعلمنا معنى التوكل والإيمان والاستسلام لأمر الله، كما تعلمنا أن الله لا يُضيع من يتوكل عليه، وأن البركات قد تأتي من حيث لا نحتسب، ولهذا فزمزم ليس مجرد ماء يُشرب، بل هو «مدرسة إيمانية» تختصر في قطراتها تاريخًا طويلًا من اليقين واليقظة الروحية.
زمزم لا يزال وسيظل من نعم الله الباقية، وسُقيا مباركة يتداولها المسلمون جيلاً بعد جيل، و«من شرب زمزم وهو موقن بالإجابة نال حاجته بإذن الله»، فلنحرص على شربه بنية صادقة ولنردد الدعاء عنده بكل يقين، فإنها لحظات لا تُرد بإذن الله.