ارتفاع غير مسبوق في وفيات السعال الديكي بالولايات المتحدة

شهدت الولايات المتحدة ارتفاعًا كبيرًا في عدد الوفيات الناتجة عن السعال الديكي خلال العام الماضي، حيث أكدت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها وفاة ما لا يقل عن اثنتي عشرة حالة بسبب هذه العدوى البكتيرية.
ويمثل هذا الرقم أكبر عدد من الوفيات بسبب السعال الديكي منذ موجة التفشي التي شهدتها البلاد عام 2017، مما يشير إلى عودة المرض بقوة وانتشاره بوتيرة متزايدة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر، خاصة الأطفال الصغار.
تزايد حالات الإصابة خلال الشهر الماضي
على مدار الشهر الماضي، شهدت حالات الإصابة بالسعال الديكي ارتفاعًا ملحوظًا، حيث أشارت التقارير الصادرة عن إدارة الصحة التابعة لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها إلى أن الإصابات الأسبوعية بدأت في التزايد مجددًا بعد فترة انخفاض مؤقتة خلال عطلات الشتاء، فقد تم الإبلاغ عن 360 حالة جديدة خلال الأسبوع الأخير، ما يمثل زيادة بنسبة 27% مقارنة بالأسبوع السابق، وكانت ذروة الحالات المسجلة في أواخر العام الماضي قد وصلت إلى 577 حالة أسبوعيًا، لكنها تراجعت إلى أقل من 200 حالة خلال عطلة رأس السنة قبل أن تبدأ في الارتفاع مجددًا.
فلوريدا تتصدر قائمة الولايات الأكثر إصابة
وفقًا لأحدث الإحصائيات، سجلت ولاية فلوريدا أعلى عدد من الإصابات بالسعال الديكي خلال الأسبوع الماضي، حيث تم الإبلاغ عن 44 حالة جديدة، لتتجاوز بذلك ولاية أوهايو التي كانت في الأسابيع السابقة الولاية الأكثر تسجيلًا للإصابات، وقد تمركزت معظم الحالات في مقاطعتي ميامي وتامبا، وكان الأطفال دون سن الخامسة هم الفئة الأكثر تضررًا من المرض، وهو ما يتماشى مع الاتجاه العام الذي شهدته الولايات الأخرى التي سجلت انتشارًا واسعًا للعدوى بين الأطفال الصغار.
تحذيرات صحية وضرورة التطعيم
أكد بول برينس، المتحدث باسم مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، أن السعال الديكي يشكل خطرًا على الأشخاص من جميع الفئات العمرية، لكنه يمثل تهديدًا أكبر للرضع والأطفال الصغار، وحث جميع الأفراد غير المطعمين على تلقي اللقاح في أقرب وقت ممكن، مشيرًا إلى أن التطعيم هو الوسيلة الأكثر فاعلية للوقاية من المرض والحد من انتشاره.
كما حذرت الجهات الصحية منذ عدة أشهر من احتمالية تعرض البلاد لموجة تفشٍ كبيرة للسعال الديكي، نظرًا للدورة الطبيعية للمرض التي تشهد ارتفاعًا في الحالات كل ثلاث إلى خمس سنوات، إلا أن انتشار العدوى هذه المرة جاء أكثر حدة بسبب الانخفاض الملحوظ في حالات الإصابة خلال جائحة كوفيد-19، مما جعل الجهاز المناعي لدى الكثيرين أقل استعدادًا لمواجهته.
ما هو السعال الديكي؟
يعد السعال الديكي من الأمراض البكتيرية المعدية التي تصيب الجهاز التنفسي، ويتسبب في نوبات سعال حادة تستمر لفترات طويلة، وعادةً ما يكون من الصعب التمييز بينه وبين نزلات البرد في المراحل المبكرة من الإصابة، لكنه سرعان ما يصبح أكثر حدة، مما يؤدي إلى صعوبة في التنفس ونوبات سعال متكررة ومؤلمة، ويُعرف المرض أيضًا باسم “سعال المائة يوم” بسبب استمرار الأعراض لفترات طويلة، خاصة عند الأطفال الرضع الذين قد يعانون من مضاعفات خطيرة، مثل انقطاع النفس، حيث يتوقف التنفس لديهم بشكل مؤقت، مما يعرض حياتهم للخطر.
أسباب الإصابة بالسعال الديكي
بحسب الأطباء، فإن السعال الديكي ناتج عن بكتيريا تُعرف باسم “بورديتيلا السعال الديكي”، والتي تدخل الجهاز التنفسي وتبدأ في إفراز سموم تؤدي إلى تهيج بطانة الشعب الهوائية، تتسبب هذه السموم في تلف الأهداب الصغيرة الموجودة في مجرى التنفس، مما يؤدي إلى تراكم المخاط بكميات كبيرة، وهو ما يسبب نوبات السعال العنيفة التي يتميز بها المرض، ومع انتشار البكتيريا عبر الرذاذ المتطاير من السعال أو العطس، يصبح السعال الديكي شديد العدوى، خاصة بين الأشخاص الذين لم يتلقوا التطعيم.

أعراض الإصابة بالسعال الديكي
تشبه الأعراض المبكرة للسعال الديكي أعراض نزلات البرد العادية، حيث تبدأ بسعال خفيف وسيلان الأنف وارتفاع طفيف في درجة الحرارة، لكن بعد أسبوع إلى أسبوعين، تبدأ الأعراض في التفاقم وتظهر علامات أكثر خطورة، مثل:
نوبات سعال شديدة ومتكررة قد تستمر لمدة تصل إلى 10 أسابيع أو أكثر
صوت صفير مميز عند التنفس بعد انتهاء نوبة السعال
القيء بعد نوبات السعال الشديدة
الإرهاق الشديد نتيجة السعال المتكرر
توقف مؤقت للتنفس عند الرضع، مما يستدعي التدخل الطبي العاجل
مع استمرار الإصابة، قد تتراجع الأعراض تدريجيًا بعد أربعة أسابيع، لكن نوبات السعال يمكن أن تستمر لعدة أشهر، مما يجعل المرض مرهقًا للغاية للمصابين به، خاصة الأطفال وكبار السن.
أهمية التطعيم في الوقاية من السعال الديكي
نظرًا لخطورة المرض وسرعة انتشاره، يؤكد الخبراء أن التطعيم هو الوسيلة الأكثر فاعلية للوقاية من السعال الديكي، حيث يوصى بإعطاء لقاح “DTaP” للأطفال في مراحل عمرية مبكرة، بالإضافة إلى جرعات معززة في سنوات لاحقة، كما يُنصح البالغون بالحصول على جرعات وقائية، خاصة النساء الحوامل، لحماية المواليد الجدد من خطر الإصابة، فاللقاح لا يمنع العدوى فحسب، بل يساهم أيضًا في تقليل حدة الأعراض في حال الإصابة، مما يقلل من خطر حدوث مضاعفات خطيرة.
مع تزايد حالات السعال الديكي في الولايات المتحدة وارتفاع معدلات الوفيات الناجمة عنه، تبرز أهمية الوقاية من خلال التطعيم واتخاذ الاحتياطات اللازمة للحد من انتشار العدوى، حيث إن المرض يشكل خطرًا كبيرًا على الفئات الأكثر ضعفًا، وخاصة الأطفال الرضع، ومع التحذيرات المستمرة من الجهات الصحية بضرورة الاستعداد لموجات جديدة من التفشي، يصبح التزام الأفراد بالتطعيم والإجراءات الوقائية أمرًا ضروريًا لحماية أنفسهم ومجتمعاتهم من مخاطر المرض.