هل يجب على المريض إذا شُفي أن يمسك بقية رمضان؟.. الإفتاء تجيب

تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالًا من أحد المتابعين عبر موقعها الرسمي، يتضمن استفسارًا حول حكم من أفطر في نهار رمضان بسبب المرض ثم تعافى أثناء اليوم، وجاء نص السؤال كما يلي: “هل يلزم من أصبح مفطرًا في نهار رمضان لمرض ثم برئ منه أن يُمسك بقية اليوم؟”.
وأجابت دار الإفتاء المصرية موضحة أن من بدأ يومه مفطرًا بسبب عذر شرعي كالمَرَض ثم زال عنه العذر أثناء النهار، لا يلزمه أن يُمسك عن الطعام والشراب بقية اليوم، ويرجع ذلك إلى أن المريض كان له رخصة شرعية بالإفطار في بداية اليوم، وبناءً على ذلك لا يكون للإمساك في باقي اليوم وجه شرعي إلزامي، إذ إن الإمساك بعد الإفطار لا يُحتسب صيامًا صحيحًا يُجزئ عن اليوم.
وأكدت الإفتاء أن هذا الحكم ينطبق على كل من أفطر بعذر مشروع ثم زال هذا العذر أثناء النهار، مع التنويه على أن المستحب في مثل هذه الحالة هو الإمساك بقية اليوم احترامًا لحرمة الشهر الكريم، وخروجًا من خلاف بعض الفقهاء الذين يرون وجوب الإمساك، لكن مع ذلك لا يكون هذا الإمساك واجبًا ولا يلزم به شرعًا.
كما أشارت دار الإفتاء إلى أنه في جميع الأحوال يجب على من أفطر في نهار رمضان بسبب المرض قضاء هذا اليوم بعد انتهاء الشهر الكريم متى استطاع ذلك، ولا تجب عليه كفارة لأن الإفطار كان بسبب عذر معتبر شرعًا.
حكم إفطار الصائم بسبب شرقة النَّفَس أو الغُصَّة
وفي سياق آخر، تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالًا آخر حول حكم إفطار الصائم بسبب شرقة النَّفَس أو الغُصَّة (الزغطة)، حيث أوضح السائل أن والده رجل كبير في السن، وأثناء صيامه تعرض لغصة شديدة في حلقه أثرت على قدرته على التنفس، مما اضطر الأسرة إلى إعطائه القليل من الماء خوفًا من تعرضه للاختناق، وكان السؤال عن مدى جواز هذا الفعل، وهل يجب على الوالد الإمساك بقية اليوم؟
وأجابت دار الإفتاء موضحة أن الشريعة الإسلامية جاءت للتيسير ورفع الحرج عن المكلفين، لذا فإن من أصابته غصة في حلقه واحتبس نَفَسُه ولم يجد وسيلة أخرى لتخفيف الأمر إلا بشرب الماء أو تناول الدواء، فإنه يجوز له الإفطار في هذه الحالة حفاظًا على حياته وصحته، ويُعد هذا الإفطار جائزًا ولا إثم فيه، لأن حفظ النفس مقدم على الصيام.
وأوضحت الإفتاء أنه في حالة إفطار الصائم بسبب ضرورة طبية مثل الغُصَّة التي تُهدد حياته، فإنه يجب عليه قضاء هذا اليوم بعد انتهاء رمضان متى تمكن من ذلك، ولا تلزمه كفارة لأنه كان في حالة اضطرار، كما أكدت أن الصائم في هذه الحالة لا يُلزم بالإمساك عن المفطرات بقية اليوم، لأن الرخصة التي أُعطيت له في الإفطار لا تزال قائمة.
وأضافت الإفتاء أن الإمساك في مثل هذه الحالات يكون مستحبًا فقط إذا كان الشخص قادرًا عليه، وذلك خروجًا من خلاف بعض الفقهاء الذين يرون وجوب الإمساك بقية اليوم احترامًا لحرمة الصوم، إلا أن هذا الرأي ليس ملزمًا شرعًا، والمبدأ الفقهي العام هو أن من أفطر بعذر شرعي فلا يُطلب منه الإمساك بعد ذلك خلال بقية اليوم.
حقيقة الصيام في الشريعة الإسلامية
وبينت دار الإفتاء المصرية أن حقيقة الصيام في الشريعة الإسلامية تقوم على الامتناع عن ثلاثة أمور أساسية وهي الأكل، والشرب، والجماع من طلوع الفجر الصادق وحتى غروب الشمس بنية صادقة ومخصوصة، واستدلت الدار بقول الله تعالى في سورة البقرة:
﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: 187].
وأكدت الإفتاء أن الإسلام دين يُراعي الظروف الإنسانية والصحية للأفراد، ومن هنا جاءت الرخصة للمريض بالإفطار إذا كان الصيام يُسبب له مشقة شديدة أو يُهدد صحته، كما أن أي ضرر يلحق بالصائم نتيجة الامتناع عن الطعام أو الشراب يُعد عذرًا شرعيًا يُبيح الفطر.
ضوابط الإفطار بسبب المرض أو الضرورة
شددت دار الإفتاء على أن الإفطار في رمضان بسبب المرض جائز إذا تحقق وجود ضرر حقيقي أو خوف على الصحة، ويشمل ذلك الحالات الطارئة مثل الاختناق أو الغُصَّة التي تُعرض حياة الإنسان للخطر، ويُشترط أن يكون ذلك بتقدير شخصي مبني على تجربة واضحة أو بناءً على نصيحة طبية موثوقة.
كما أكدت أن من أفطر بسبب عذر مشروع عليه قضاء اليوم الذي أفطر فيه بعد انتهاء رمضان متى سمحت حالته الصحية بذلك، وأنه لا كفارة عليه لأن الفطر كان بدافع الاضطرار وليس بتعمد أو تساهل في أمر الصيام.
ودعت دار الإفتاء جميع المسلمين إلى الالتزام بتعاليم الشريعة الإسلامية، والرجوع إلى أهل العلم في كل ما يُشكل عليهم من أحكام، مؤكدة أن الهدف من الصيام هو التقوى وتهذيب النفس، وأن الله تعالى يُريد اليسر بعباده ولا يُريد بهم العسر، كما جاء في قوله تعالى:
﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185].