علي جمعة: احذروا تأجيل التوبة لرمضان للتقرب من الله
في عالمنا المعاصر، يعاني الكثيرون من التأجيل في التوبة إلى الله، سواء بسبب مشاغل الحياة أو التردد النفسي، لكن هذا التأجيل ليس مجرد تأخير فحسب، بل قد يمثل خطرًا على حياة الإنسان الروحية، خاصة إذا كان مرتبطًا بالانتظار حتى قدوم شهر رمضان.
وقد حذر علماء الدين، ومن بينهم الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، من مغبة هذا التأجيل، مشددًا على أن التوبة يجب أن تكون فورية ودائمة، ولا يجوز تأجيلها أو ربطها بمواعيد معينة مثل رمضان.
وفي هذا المقال يستعرض “القارئ نيوز” تصريحات الدكتور علي جمعة، وتوضيحات علماء الدين حول معنى التوبة الصحيحة وشروطها، وكذلك الأبعاد الروحية لهذا الموضوع المهم.
تحذير من تأجيل التوبة
وفي تصريح، شدد الدكتور علي جمعة على أن تأجيل التوبة إلى رمضان يعد من أكبر الأخطاء التي قد يقع فيها المسلم، وقال الدكتور جمعة: “الإنسان لا يضمن أن يكون على قيد الحياة بعد دقيقة واحدة، فكيف نؤجل التوبة؟” مؤكداً أن هذه العادة تعكس غفلة كبيرة في قلوب بعض الناس الذين يعتقدون أنهم يستطيعون تأجيل العودة إلى الله إلى وقت لاحق، وأن رمضان هو الموعد المثالي لذلك، وأوضح الدكتور جمعة أن التوبة يجب أن تكون فورية في كل لحظة، ولا يجوز ربطها بأي وقت بعينه، لأن الإنسان لا يعرف متى تكون اللحظة الأخيرة له على هذه الأرض.
وقد استشهد الدكتور علي جمعة بآية قرآنية عظيمة، هي “فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ”، والتي تدعو المسلم إلى الإسراع في التوبة دون تردد أو تأخير، فالتوبة الفورية تعني العودة السريعة إلى الله، وطلب المغفرة عن الذنوب التي ارتكبها العبد، قبل أن تنتهي الفرصة.
الفرق بين الاستغفار والتوبة
في إطار هذا الموضوع، أشار الشيخ أحمد المالكي، أحد علماء الأزهر الشريف، إلى أن هناك خلطًا شائعًا بين مفهومي الاستغفار والتوبة، وأوضح المالكي خلال ظهوره في أحد البرامج الفضائية أن الاستغفار هو ببساطة الدعاء بالكلمات على اللسان، ويمكن أن يقوم به أي شخص، سواء كان مؤمناً أو منافقاً، لكنه أضاف أن التوبة أمر أعظم من مجرد الاستغفار، فهي تمثل رجوعًا حقيقيًا وصادقًا من القلب إلى الله، وتنطوي على التزام بالعزم على تغيير السلوك والابتعاد عن المعاصي.
وأكد الشيخ المالكي على أن الاستغفار يُعد إعلانًا شفهيًا للعودة إلى الله، بينما التوبة الحقيقية تشمل الأفعال، وهي عملية تتطلب التوبة من الذنوب والعمل الجاد على تصحيح العلاقة مع الله، وأكد على ضرورة أن يكون العبد صادقًا في توبته، وأن يبذل جهدًا حقيقيًا في التغيير، لا أن يقتصر الأمر على الكلمات.
شروط التوبة النصوح
في ضوء هذه التوضيحات، سلطت لجنة الفتوى التابعة لمجمع البحوث الإسلامية الضوء على شروط التوبة النصوح، التي يجب أن تتوافر حتى تكون التوبة صحيحة وقبولها عند الله، وأكدت اللجنة أن التوبة النصوح تشمل ثلاثة أركان أساسية لا بد من توفرها:
1.الإقلاع عن الذنب فوراً: أي أن يبتعد العبد عن الذنب في الحال دون تأجيل أو تسويف.
2.الندم الصادق على ما مضى: يجب أن يشعر القلب بندم حقيقي على ما ارتكب من معاصي، وأن يعترف العبد بخطأه أمام الله.
3.العزم الأكيد على عدم العودة إلى الذنب: يجب أن يعزم المسلم على عدم العودة إلى المعصية، وأن يكون لديه نية صادقة في العمل على تحسين سلوكه.
كما أكدت لجنة الفتوى أنه إذا كانت المعصية متعلقة بحقوق الآخرين، مثل السرقة أو الغش، يجب على المسلم أن يسعى إلى رد الحقوق إلى أصحابها أو طلب السماح منهم، وأشارت إلى أن التوبة تكون أكثر قبولاً عندما تصدر من قلب نادم ومخلص.
التوبة باب مفتوح دائمًا
وختامًا، أكدت لجنة الفتوى أن باب التوبة يبقى مفتوحًا دائمًا أمام العبد، طالما أنه لم يصل إلى لحظة الاحتضار أو قيام الساعة، وأشارت إلى أن الله سبحانه وتعالى يفرح بتوبة عباده، ويقبلها مهما كانت المعاصي التي ارتكبها الإنسان، شرط أن تكون التوبة صادقة.
وفي رسالة أمل للمخطئين، أكدت اللجنة أنه حتى لو أخطأ الإنسان مرة أخرى بعد توبته الصادقة، فلا يجب أن ييأس من رحمة الله، بل عليه أن يسارع إلى التوبة مجددًا، فالله عز وجل يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات.
التوبة هي الطريق إلى الطهر والسلام الداخلي، ولذا يجب على المسلم أن لا يؤجل توبته، وأن يسعى دائمًا للتوبة الصادقة في كل وقت وحين، لا ينتظر حتى رمضان أو أي موسم آخر، فالتوبة هي فرصة ثمينة يجب أن يستغلها المسلم في أي وقت من حياته.