الإفتاء توضح الحكم الشرعي لمن أقسم على أمر ويريد العدول عنه
في واقعة أثارت اهتمامًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، ورد سؤال إلى لجنة الفتوى بالإفتاء بمجمع البحوث الإسلامية حول كفارة من أقسم على ترك فعل الخير لمدة عام، ثم أراد العدول عن يمينه، وقد جاء الرد من لجنة الفتوى ليُسلط الضوء على قضية شرعية تُعنى بكيفية التعامل مع الأيمان التي قد تُقيّد الإنسان وتمنعه من الخير.
استهلت لجنة الفتوى بيانها بالتأكيد على أن الحلف على الامتناع عن فعل الخير أمر غير مقبول شرعًا، مستشهدة بقول الله تعالى: “وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ” (البقرة: 224).
وأوضحت أن الشريعة الإسلامية تحث دائمًا على فعل الخير والبر والتقوى، وأن الأيمان التي تُعيق الإنسان عن هذه الفضائل مكروهة لأنها تتعارض مع الهدف الأسمى للإسلام في نشر الخير والإصلاح.
حكم التراجع عن اليمين
أكدت اللجنة أن العدول عن الحلف الذي يمنع الإنسان من الخير لا يقتصر على كونه جائزًا، بل هو أمرٌ محمود شرعًا إذا كان في ذلك مصلحة وبر، واستدلت بحديث النبي ﷺ: “من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأتِ الذي هو خير وليكفر عن يمينه”، مما يوضح أن التراجع عن اليمين لتحقيق الخير يُعد من مظاهر التيسير التي جاءت بها الشريعة الإسلامية.
تفاصيل كفارة اليمين
أوضحت دار الإفتاء أن كفارة اليمين محددة في القرآن الكريم والسنة النبوية، وتتضمن ثلاث مراتب يمكن للمسلم الاختيار منها وفقًا لقدرته المادية:
1.إطعام عشرة مساكين: يتم تقديم وجبة متوسطة من غالب قوت البلد لكل مسكين، وهي الطريقة الأكثر شيوعًا وسهولةً.
2.كسوة عشرة مساكين: يُقدم للمساكين ملابس تُناسب احتياجاتهم وتليق بهم.
3.تحرير رقبة: وهو شرط لم يعد متاحًا في العصر الحديث.
أما إذا كان الشخص غير قادر ماديًا على تحقيق أي من هذه الخيارات، فإن البديل هو الصيام ثلاثة أيام متتالية، وهو ما يُظهر مرونة الشريعة في مراعاة ظروف المسلمين وتيسير التكليف عليهم.
مقدار الإطعام
وفيما يتعلق بمقدار الإطعام المطلوب، أوضح الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء، أن الكمية تُقدر وفقًا للمذهب الفقهي، فبحسب الحنفية، يُعادل الإطعام لكل مسكين حوالي 3.25 كجم من الطعام، بينما يقدر الشافعية ذلك بحوالي 510 جرامات من الطعام لكل مسكين. وأشار إلى أن هذه الكمية يمكن أن تختلف حسب احتياجات البلد وتقاليده الغذائية، مع التشديد على ضرورة تقديم طعام جيد يُظهر احترام المحتاجين.
التسرع في الحلف على الإيمان
ودعت دار الإفتاء المسلمين إلى توخي الحذر في الحلف بالإيمان، خاصة إذا كان الحلف يتضمن منعًا لفعل الخير أو البر.
وأشارت إلى أهمية “حفظ الأيمان” كما ورد في القرآن الكريم، أي الالتزام بالأيمان وعدم التسرع في استخدامها أو جعلها حجة للامتناع عن أعمال البر والتقوى.
وأكدت أن الشريعة الإسلامية تُشجع دائمًا على البر والتقوى والإصلاح بين الناس، وأن المسلم الذي يحرص على فعل الخير ويُكفِّر عن يمينه بما يُرضي الله يُعد من أهل البر الذين يسعون إلى رضا الله في أعمالهم وأقوالهم.
تعد الزكاة ركنًا أساسيًا من أركان الإسلام الخمسة، وهي وسيلة فعّالة لتحقيق العدالة الاجتماعية، وتوزيع الثروة بشكل عادل بين أفراد المجتمع، وتُفرض الزكاة على المسلمين الذين يمتلكون مالًا فوق النصاب المحدد، وتعد من أبرز الوسائل التي تحقق التكافل الاجتماعي وتخفف من معاناة الفقراء والمحتاجين، لكن مع تطور الزمن وتعدد احتياجات المجتمع، بدأ يظهر تساؤل حول مدى جواز تخصيص جزء من مال الزكاة لدعم مجالات جديدة تتجاوز المساعدة المباشرة للفقراء.
حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين
في هذا السياق، ردت دار الإفتاء المصرية على بعض الأسئلة التي أثارها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، حول حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وتحسين الخدمات المجتمعية، بالإضافة إلى دعم المشاريع الاستثمارية والإنتاجية التي تعود بالنفع على الفقراء، وقد أبدت دار الإفتاء رأيها بأن تخصيص الزكاة في هذه المجالات جائز بشرط أن تظل المصلحة الأساسية للفقراء والمحتاجين هي المحور الرئيسي في هذا التخصيص، أي أن الأموال يجب أن تُستخدم بطريقة تضمن تمليك الفقراء لهذه المشاريع أو تقديم خدمات تعليمية وعلاجية لهم، بما يضمن تحسين حياتهم المعيشية.
تأمين احتياجات الفقراء الأساسية
وبالإضافة إلى ذلك، أشارت دار الإفتاء إلى أن الزكاة يجب أن تركز على تأمين احتياجات الفقراء الأساسية من مأكل، ملبس، مسكن، وعلاج، وكذلك دعم تعليمهم، وتُعتبر هذه الأمور هي الأولوية في توزيع الزكاة بما يتماشى مع مقاصد الشريعة في تحقيق العدالة الاجتماعية وإغاثة المحتاجين، وأكدت دار الإفتاء في منشورها على صفحتها الرسمية بموقع فيسبوك أن الزكاة تُؤخذ من أغنياء المسلمين وتُرد إلى فقرائهم، لتخفف عنهم أعباء الحياة وتساهم في تحسين مستوى معيشتهم.