توتر عسكري بين القاهرة وتل أبيب.. هل كسرت مصر اتفاق السلام؟

تتزايد مؤشرات التوتر بين مصر وتل أبيب في ظل تصاعد الخلافات السياسية والعسكرية بعد أكثر من ستة أشهر على بدء الحرب في قطاع غزة، والتي ألقت بظلالها على العلاقات بين الجانبين، ففي الوقت الذي تُجري فيه مصر مناورات عسكرية جوية غير مسبوقة مع الصين، أبدت تل أبيب مخاوف متزايدة من الحشود المصرية في سيناء، واعتبرت بعض التحركات تهديدًا مباشرًا لاتفاق السلام الموقع بين الطرفين منذ أكثر من أربعة عقود.
مخاوف إسرائيلية من تغير قواعد اللعبة
وذكرت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، في تقرير نشرته اليوم الثلاثاء، أن العلاقات بين مصر وإسرائيل تمر بمرحلة تراجع ملحوظ منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر الماضي.
وأشار التقرير إلى وجود قلق بالغ لدى دوائر القرار في إسرائيل من احتمال انهيار الحدود بين القطاع وسيناء، ما قد يؤدي إلى "تسلل جماعي" لسكان غزة نحو الأراضي المصرية، وهو ما تعتبره القاهرة خطرًا مباشرًا على أمنها القومي.
وبحسب الهيئة، فإن الجيش المصري كثف مؤخرًا من تواجده العسكري في مناطق متعددة من شبه جزيرة سيناء، وهو ما وصفته جهات إسرائيلية بأنه «خرق صريح» لاتفاقية كامب ديفيد، التي تحدد بدقة حجم وعدد القوات التي يحق لمصر نشرها في مناطق معينة بسيناء، خصوصًا القريبة من الحدود مع إسرائيل وقطاع غزة.
مناورات عسكرية مع الصين تثير الجدل
وفي تطور لافت وصفته الهيئة بـ«غير المسبوق»، أعلنت وزارة الدفاع الصينية عن إجراء أول مناورات جوية مشتركة بين الصين ومصر، تحت اسم "نسور الحضارة-2025"، بمشاركة واسعة من الطائرات القتالية والتقنية المتقدمة.
وبحسب ما أوردته صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية، فقد شاركت في المناورة طائرات مقاتلة من طراز J-10C وطائرات تزود بالوقود من طراز YU-20، بالإضافة إلى طائرات إنذار مبكر من طراز KJ-500، إلى جانب عشرات الطائرات المصرية الأخرى. واعتُبر هذا التمرين العسكري المشترك بمثابة خطوة جديدة في توسيع التعاون الدفاعي بين بكين والقاهرة، في وقت يُعد بالغ الحساسية على المستوى الإقليمي.
وأكد خبير عسكري صيني للصحيفة أن الطائرات المشاركة تمثل "العمود الفقري" لسلاح الجو الصيني، مشيرًا إلى أن هذه التدريبات تهدف إلى تعزيز قدرات الجيش المصري وتطوير مهارات الطيران والقتال الجوي لدى قواته.
الجيش المصري.. تعزيز للتعاون لا أكثر
من جهته، أصدر الجيش المصري بيانًا رسميًا أعلن فيه انطلاق فعاليات التدريب الجوي المصري الصيني المشترك، وأوضح أن المناورة تُنفّذ على مدار عدة أيام بإحدى القواعد الجوية المصرية، بمشاركة عدد كبير من الطائرات المقاتلة متعددة المهام.
وأشار البيان إلى أن التدريب يتضمن تنفيذ محاضرات نظرية وعملية لتوحيد المفاهيم القتالية، وتنفيذ طلعات جوية مشتركة، والتدريب على أعمال التخطيط وإدارة القتال الجوي. وشدد الجيش المصري على أن هذا يأتي في إطار تعزيز التعاون الدفاعي مع الصين، دون الإشارة إلى أي أهداف سياسية أو إقليمية من وراء المناورة.
إسرائيل.. صمت القاهرة يثير القلق
في المقابل، عبّرت جهات سياسية وأمنية إسرائيلية عن قلقها من توقيت هذه المناورات العسكرية، خاصة أنها تتزامن مع حشود مصرية متزايدة في مناطق قريبة من الحدود، دون توضيح رسمي من القاهرة حول طبيعة هذه التحركات.
وأكد تقرير هيئة البث الإسرائيلية أن الصمت المصري حيال المناورات، وعدم إصدار توضيحات بشأن التفاهمات العسكرية مع الصين، يُعد مؤشرًا مقلقًا، في ظل التوترات المتصاعدة إقليميًا، وتوقف التنسيق الأمني بين إسرائيل ومصر في ملفات عدة متعلقة بغزة والحدود.
تحديث الجيش المصري.. مناورات وصفقات وتسليح
وتجدر الإشارة إلى أن مصر تنفذ منذ سنوات عملية تحديث شاملة لقدراتها العسكرية، شملت اقتناء أسلحة متطورة من دول متعددة، بينها روسيا وفرنسا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية العسكرية والتوسع في برامج التدريب.
وترى بعض التحليلات الإسرائيلية أن المناورات مع الصين قد تحمل دلالة على توجه مصري لإعادة تشكيل خريطة التحالفات الإقليمية والدولية، وربما إعادة النظر في حدود التنسيق الأمني مع إسرائيل، لا سيما في ظل استمرار العدوان على غزة، وتدهور الأوضاع الإنسانية والأمنية في القطاع.
مستقبل العلاقة.. بين التوجس والتهدئة
وفي الوقت الذي لم تُصدر فيه القاهرة أي بيانات تعليق على الاتهامات الإسرائيلية بشأن خرق اتفاقية السلام، يترقب المراقبون تطورات الموقف خلال الأيام المقبلة، وسط دعوات في إسرائيل لإجراء اتصالات دبلوماسية عاجلة مع مصر لتخفيف حدة التوتر، ومنع انزلاق الأمور إلى أزمة سياسية قد تؤثر على استقرار المنطقة بأسرها.