وزير الدفاع الإسرائيلي السابق.. الصورة المنتشرة لنفق فيلادلفيا «خدعة لتأخير صفقة الأسرى»

في تطور يكشف حجم التضليل الإعلامي الذي تمارسه سلطات الاحتلال الإسرائيلي، فجر وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت مفاجأة مدوية بشأن النفق الذي زعمت تل أبيب أنه يقع في محور فيلادلفيا ويستخدم لتهريب الأسلحة إلى قطاع غزة، حيث أكد غالانت أن ما رُوج له على أنه «نفق ضخم» ليس سوى قناة مياه بسيطة مغطاة بالتراب ولا تمتّ بأي صلة للمزاعم العسكرية التي تم تداولها حينها.
النفق الذي لم يكن موجودًا
خلال ظهوره في برنامج استقصائي بثته هيئة البثّ الإسرائيلية، قال غالانت إنه قام شخصيًا بفحص الصورة التي نشرها الجيش الإسرائيلي وتبين له أن ما يظهر في الصورة ليس نفقًا بل قناة مائية مغطاة، لا يتجاوز عمقها متراً واحداً تحت الأرض.
وأضاف أن الصورة التي أُرفقت بتقارير عسكرية في حينها كانت مضللة وتهدف بالأساس إلى تعطيل صفقة الأسرى الجارية في تلك الفترة، وخلق حالة من التهويل الأمني في الداخل الإسرائيلي.
وتابع الوزير السابق: «ما لا يراه الجمهور هو أن ما تم تصويره ليس سوى معبر للمياه يمر من تحت شارع، وقد غُطّي بطبقة من التراب. لقد التُقطت الصورة وصُنعت منها حالة إعلامية كبيرة، لكنها لا تعكس الحقيقة».
التلاعب الإعلامي وتأخير صفقة الأسرى
تصريحات غالانت جاءت في لحظة حساسة داخل إسرائيل، حيث كانت الحكومة تواجه ضغوطاً متزايدة لإتمام صفقة تبادل أسرى مع المقاومة الفلسطينية، ويبدو أن نشر صورة النفق المفترض جاء في محاولة للتأثير على الرأي العام الإسرائيلي وإقناعه بخطورة استمرار المفاوضات، ما يبرر تأخير التوصل إلى اتفاق.
وفي هذا السياق، قال مقدم البرنامج الصحفي سليمان مسودة، عبر منصة "إكس": «في التحقيق الافتتاحي للموسم الجديد، نكشف الحقيقة وراء صورة من محور فيلادلفيا، اتضح أن هذا ليس نفقًا على الإطلاق، بل خندق مياه مُغطى تم تسويقه على أنه تهديد أمني بالغ الخطورة».
وتابع: «كان الهدف من ذلك هو إبطاء مفاوضات صفقة الرهائن، وتعزيز موقف المعارضين لها داخل الحكومة».
نتنياهو يروج لرواية التهريب
رغم ما كشفه غالانت، لا يزال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يدعي بأن محور فيلادلفيا يُستخدم في تهريب السلاح إلى قطاع غزة. ويصرّ على أن هناك شبكة أنفاق واسعة على طول الحدود بين مصر وغزة تُستخدم لهذا الغرض.
وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن في أغسطس/آب الماضي، أن قواته اكتشفت عشرات المسارات تحت الأرض على امتداد محور فيلادلفيا، من بينها نفق بارتفاع ثلاثة أمتار، وفق زعمه. وقالت القوات إنها بصدد فحص وتحييد هذه الأنفاق ضمن عملياتها الأمنية في المنطقة.
إلا أن تصريحات غالانت تقوّض هذه المزاعم، وتضع علامات استفهام حول مصداقية البيانات العسكرية الصادرة عن جيش الاحتلال، خصوصًا في ظل تزايد الانتقادات الداخلية والدولية للعدوان على غزة.
خلفيات سياسية وإقالة غالانت
لم تمر تصريحات يوآف غالانت مرور الكرام، إذ أنها تتقاطع مع أسباب إقالته من منصبه في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد أعلن حينها عن إقالة غالانت بسبب ما وصفه بتزعزع الثقة ووجود "ثغرات كبيرة" بين مواقف الوزير والحكومة.
غالانت من جهته، أوضح أن إقالته جاءت على خلفية خلافات عميقة مع نتنياهو تتعلق بثلاث قضايا رئيسية: قانون التجنيد، وإعادة الأسرى من قطاع غزة، والمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق رسمية في الإخفاقات التي شهدتها إسرائيل يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
أزمة الثقة داخل إسرائيل
تكشف هذه الواقعة عن أزمة ثقة متصاعدة داخل الأوساط السياسية والعسكرية الإسرائيلية. فبينما يحاول الجيش ترويج صور ومعلومات مغلوطة لتعزيز الموقف السياسي للحكومة، يخرج مسؤولون سابقون ليكذبوا هذه الروايات على الملأ، ما يُضعف موقف الاحتلال على الساحة الدولية، ويعزز من مصداقية الرواية الفلسطينية أمام الرأي العام العالمي.
وفي الوقت الذي تستمر فيه الحرب على غزة، تُفضح يومًا بعد يوم الأساليب التي يستخدمها الاحتلال لتبرير سياساته القمعية، ليس فقط أمام العالم، بل حتى داخل مجتمعه الذي بدأ يفقد الثقة بقياداته ومؤسساته الأمنية.
في ضوء ما كشفه يوآف غالانت، يتضح أن الاحتلال لا يكتفي باستخدام القوة العسكرية في حربه ضد الفلسطينيين، بل يوظف أدوات إعلامية وخدعًا نفسية لتسويق روايات كاذبة، حتى لو كانت على حساب الحقيقة ومصالح الأسرى والمواطنين. فهل يجرؤ الجيش الإسرائيلي على تقديم تفسير رسمي لما وصفه غالانت بـ"النفق غير الموجود"؟ أم سيُضاف هذا الملف إلى سلسلة طويلة من الفضائح التي تحاصر المؤسسة العسكرية في تل أبيب؟