الخميس 24 أبريل 2025 الموافق 26 شوال 1446
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
القارئ نيوز القارئ نيوز
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
عاجل

شروط وضوابط سفر المرأة للعمل بمفردها.. الإفتاء تجيب

سفر المرأة
سفر المرأة

سفر المرأة إلى الخارج للعمل بات محل نقاش متكرر بين الناس، خاصة مع تزايد مشاركة النساء في سوق العمل داخل مصر وخارجها، وفي ظل هذه التساؤلات المتكررة خرجت دار الإفتاء المصرية بتوضيح شرعي يبيّن جواز «سفر المرأة» للعمل خارج البلاد وفقًا لضوابط واضحة وشروط شرعية معتبرة، مما يضع حدًا للكثير من الآراء المتباينة التي تنتشر بين حين وآخر.

الإفتاء تحسم الجدل حول سفر المرأة

أوضحت دار الإفتاء المصرية عبر موقعها الرسمي أنه لا مانع شرعًا من «سفر المرأة» إلى الخارج بهدف العمل، بشرط أن يتوافر عنصر الأمن خلال الإقامة والتنقل داخل بلد السفر، كما اشترطت موافقة ولي الأمر على هذا القرار دون أن تجعل اصطحاب المحرم شرطًا لا بد منه في الذهاب أو العودة، وهو ما يشكل تحولًا مهمًا في النظرة التقليدية لمسألة «سفر المرأة» ويستند إلى اجتهادات فقهية معتبرة.

وأكدت دار الإفتاء أن «سفر المرأة» بمفردها لا يتعارض مع أحكام الشريعة إذا ما تم عبر وسائل سفر مأمونة، من مطارات وموانئ ووسائل مواصلات عامة مؤمنة وموثوقة، شريطة الحصول على إذن ولي الأمر، مما يجعل الأمر خاضعًا للضوابط الواقعية لا للتقديرات النظرية أو المخاوف الاجتماعية.

الأحاديث النبوية في سياقها الزمني والفقهي

أشارت دار الإفتاء إلى أن الأحاديث النبوية التي تنهى المرأة عن السفر دون محرم يجب فهمها في سياقها التاريخي والزمني، حيث كانت الطرق غير آمنة، وكان السفر محفوفًا بالمخاطر، أما الآن، ومع توفر سبل الأمان والتقنيات الحديثة في وسائل النقل والاتصال، فإن هذه الأحاديث لا تُطبّق على كل الحالات بشكل حرفي.

وبناء على ذلك، فإن النهي عن «سفر المرأة» دون محرم محمول على حالة انعدام الأمن، فإذا توافر الأمن، فإن النهي يسقط ولا يبقى له وجه تطبيقي، وهو ما يتماشى مع مقاصد الشريعة في حفظ النفس والكرامة والحرية بضوابط الشرع.

الفقهاء القدامى وتفصيلات فتاواهم حول سفر المرأة

دار الإفتاء استندت في فتواها إلى آراء جمهور الفقهاء الذين أجازوا «سفر المرأة» للحج دون محرم، إذا كانت ضمن رفقة مأمونة أو مع نساء ثقات، واستشهدت بخروج أمهات المؤمنين رضي الله عنهن للحج بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد بعث معهن عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو ما يمثل سابقة تاريخية هامة في قضية «سفر المرأة».

أقوال كبار الفقهاء المالكية حول السفر الآمن

أوردت دار الإفتاء رأيًا للإمام أبو الحسن بن بطال المالكي، الذي نقل عن أئمة كبار كمالك والأوزاعي والشافعي، أنهم أجازوا «سفر المرأة» لأداء حجة الفريضة ضمن رفقة آمنة، حتى وإن لم يكن معها محرم، واستدل على ذلك بأن ابن عمر رضي الله عنه كان يصحب نساء من جيرانه في الحج، كما أشار إلى أن بعض غير المحارم يكون أكثر حرصًا من المحرم أحيانًا.

كما ذكر الإمام الباجي المالكي في شرحه للموطأ أن المانع من خروج المرأة في حج التطوع هو فقط في حال كانت وحيدة أو مع عدد قليل، أما إذا كان الطريق عامرًا أو في رفقة كثيرة، فإن الأمن متحقق، ويجوز «سفر المرأة» دون محرم، وهو رأي مدعوم بتجارب الواقع ومواقف النقل.

الطرق الآمنة في حكم الحضر

توسّع الفقهاء في شرح فكرة الأمن كعنصر أساسي في إجازة «سفر المرأة»، وأوضح الإمام الحطاب المالكي أن القوافل الكبيرة والطرق المشتركة المأمونة في زمانه تعادل المدن في أمانها، وبالتالي فإن «سفر المرأة» دون محرم جائز شرعًا متى توافر الأمن، سواء في السفر الواجب أو التطوعي أو المباح.

هذا الفهم ينسحب على كل أنواع السفر في العصر الحالي، حيث أصبحت الوسائل الحديثة تضمن الأمان أكثر من أي وقت مضى، مما يجعل الأصل في الفتوى مرتبطًا بالواقع لا بالمجردات، ويمنح المرأة الحق في اتخاذ قراراتها المهنية بشروط تحفظ الكرامة وتحمي النفس.

الإمام مالك وتحفّظه من المحارم غير الأمناء

ومن اللافت أن الإمام مالك نفسه، كما ذكرت الإفتاء، لم يكن يجيز «سفر المرأة» مع محرم إذا كان غير حريص عليها أو لا يهتم بسلامتها، مثل ابن زوجها، مما يؤكد أن العبرة في السفر ليست فقط بوجود المحرم، بل بمدى تحقق الأمان والحرص الفعلي على مصلحة المرأة.

هذا المنهج الفقهي المتوازن هو ما تبنته دار الإفتاء المصرية في إصدارها للفتوى، حيث ربطت بين النصوص الشرعية والمقاصد العامة، وبين التغيرات الزمنية التي أثّرت على طبيعة السفر ومخاطره.

الفقه المقاصدي يربط الحكم بالواقع

وقد اختتمت دار الإفتاء موقفها بالاستشهاد برأي إمام الحرمين الجويني الشافعي، الذي فرّق بين الأمن المطلق الموجود في الحضر، والأمن النسبي في السفر، وقال إن الحكم في وجوب الحج لا يشترط أمنًا يساوي أمن الحضر، بل الأمن المعقول الذي يحقق غالب الظن بالخروج الآمن من الحوادث، ومن ثم فإن «سفر المرأة» جائز ما دامت الطرق مأهولة ومرافق النقل مؤمنة ومراقبة.

تأكيدات شرعية على مرونة الأحكام وفق المتغيرات

بذلك يتضح أن فتوى دار الإفتاء بشأن «سفر المرأة» للعمل بالخارج ليست خروجًا عن إجماع فقهي، بل هي امتداد لمنهج أصيل قائم على مراعاة مقاصد الشريعة وتغير ظروف الزمان والمكان، وهي رسالة واضحة تدعو إلى فقه واعٍ بالواقع يعين على اتخاذ القرار الصحيح دون التضحية بالقيم الشرعية أو المصلحة العامة.

تم نسخ الرابط