سر الدعاء بعد التشهد الأخير في الصلاة: حكمه وفضله
من الأسئلة التي يتداولها المسلمون، خاصةً في مجال الصلاة والعبادات، هو حكم الدعاء بعد التشهد الأخير في الصلاة، وما إذا كان من السنن المؤكدة أو من الأمور المستحبة التي يجوز للإنسان القيام بها، وقد أجابت دار الإفتاء المصرية عن هذا السؤال في بيان هام نشرته عبر موقعها الرسمي، مؤكدة أن الدعاء بعد التشهد الأخير هو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو من الأعمال التي كان الصحابة رضوان الله عليهم يمارسونها، دون أن يُنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
الدعاء بعد التشهد الأخير: سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم
الدعاء بعد التشهد الأخير في الصلاة ليس من الأمور التي يتم تعليمها بشكل محدد، ولكنها من الأعمال التي اعتاد الصحابة على أدائها في صلاتهم، فكما نقلت دار الإفتاء، رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يُنكر على أصحابه دعاءهم في الصلاة، بل كان يؤيد ذلك، مما يجعل من هذا الفعل سُنة مؤكدة.
من أبرز الأحاديث التي تشير إلى ذلك ما رواه الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه، حيث قال: «مَا تَقُولُ فِي صَلَاتِك؟»، فأجاب الرجل قائلاً: “أَتَشَهَّدُ، ثُمَّ أَسْأَلُ اللهَ الْجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِهِ مِنْ النَّار” - رواه ابن ماجه، فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن أقره على هذا الدعاء، مما يدل على أنه لم يكن يشترط صيغة معينة، بل كان الدعاء بشكل عام بعد التشهد جائزًا ومحبوبًا.
شواهد من الأحاديث حول الدعاء بعد التشهد
تعد أحاديث الصحابة عن دعائهم بعد التشهد من أصدق الدلائل على مشروعية هذا الفعل في الصلاة، فقد روي عن الصحابي الجليل جُبَيْر بن نُفَيْر أنه سمع أبا الدرداء رضي الله عنه وهو يقول في آخر صلاته بعد التشهد: “أَعُوذُ بِاَللهِ مِنْ النِّفَاقِ”، وهذا يعكس كيف كان الصحابة يخصصون أوقات الصلاة للدعاء بما يتناسب مع حاجاتهم، سواء في الدنيا أو الآخرة.
الدعاء بعد التشهد في المذاهب الفقهية
بينما يعتبر الدعاء بعد التشهد الأخير سنة مؤكدة عند جمهور العلماء، فإن مختلف المذاهب الفقهية تعطي لهذه السنة تفاصيل وشرحًا إضافيًا، فعلى سبيل المثال يذكر الإمام النووي الشافعي في كتابه “روضة الطالبين” أن الدعاء بعد التشهد الأخير مستحب، ويمكن للمسلم أن يدعو بما شاء من أمور الدنيا والآخرة، مع الأفضلية لأن يكون الدعاء متعلقًا بأمور الآخرة، وقد ذكر أيضًا أن بعض العلماء كانوا يترددون في الدعاء لأمور دنيوية مثل “اللهم ارزقني جارية” في الصلاة، لكن الصواب كما يقول النووي هو أن الدعاء لأي أمر كان جائزًا طالما كان الدعاء مناسبًا للعبادة.
وفي تفسير الإمام أبو البركات الدردير في “الشرح الكبير”، نجد تأكيدًا على أن الدعاء بعد التشهد الأخير مستحب، ويُستحب أن يتم بعد التشهد الثاني، بغض النظر عن صيغة الدعاء، سواء كانت مرتبطة بالسلام أو بغيره.
أما العلامة الشمس الرملي الشافعي في “نهاية المحتاج”، فقد أضاف أن الدعاء بعد التشهد مستحب أيضًا، ويمكن أن يكون الدعاء لأي أمر كان، سواء كان متعلقًا بالدين أو بالدنيا، طالما أنه لا يتعارض مع قدسية الصلاة وهدوئها.
الخلاصة: دعاء مشروع وفضيلة مؤكدة
إجابة دار الإفتاء المصرية جاءت لتؤكد أن الدعاء بعد التشهد الأخير في الصلاة هو سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وردت العديد من الأحاديث التي تبين أن الصحابة كانوا يدعون في صلاتهم دون أن يُنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وبالتالي فإنه من الجائز للمسلم أن يدعو بما شاء من الأمور الدينية والدنيوية بعد التشهد الأخير في الصلاة، مع التأكيد على أن الدعاء لأمور الآخرة أفضل وأحب إلى الله تعالى، وبذلك يصبح الدعاء بعد التشهد الأخير جزءًا من الرحلة الروحية التي يمر بها المسلم في صلاته، مما يضيف إلى الصلاة طابعًا من التضرع والتوجه إلى الله سبحانه وتعالى.