حكم ابتلاع بقايا الطعام العالقة بين الأسنان أثناء الصيام.. الإفتاء توضح

مع حلول شهر رمضان المبارك، تتزايد التساؤلات حول الأحكام المتعلقة بالصيام، حيث يحرص المسلمون على معرفة كل ما يمكن أن يؤثر على صحة صيامهم، ومن بين الأسئلة الشائعة التي وردت إلى دار الإفتاء المصرية سؤال حول مدى تأثير ابتلاع بقايا الطعام العالقة بين الأسنان على الصيام، حيث جاء نص السؤال كما يلي:

“ما حكم من نوى الصيام، وبعد السحور وجد بقايا طعام قليلة بين أسنانه، فقام بغسل فمه وتنظيف أسنانه قدر المستطاع، لكن بقيت بعض البقايا العالقة، وأثناء النهار تحللت وجرت مع الريق دون قصد، فهل يبطل صيامه في هذه الحالة؟”.

التيسير ورفع الحرج في الصيام

في ردها على هذا السؤال، أوضحت دار الإفتاء المصرية أن الشريعة الإسلامية قائمة على مبدأ التيسير ورفع الحرج عن المكلفين، مراعاةً لظروفهم وتحقيقًا لمصلحتهم، وهو ما يتجلى بوضوح في قوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، وكذلك في قوله سبحانه: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 28].

وأكدت دار الإفتاء أن الشريعة الغراء تعتمد مبدأ العفو عن الأمور التي يصعب على الصائم الاحتراز منها، كما ذكر الإمام الشاطبي في كتابه الموافقات، حيث أوضح أن الصيام ليس مبنيًّا على المشقة الشديدة، بل هو عبادة فيها رحمة وتيسير، مما يجعل من العفو عن بعض الأمور أمرًا ضروريًا للحفاظ على روح العبادة.

حكم ابتلاع بقايا الطعام أثناء الصيام

أوضحت دار الإفتاء أن مسألة ابتلاع بقايا الطعام العالقة بين الأسنان أثناء الصيام لها حالتان:

1."إذا كانت بقايا الطعام قليلة للغاية بحيث لا يستطيع الصائم الاحتراز منها أو إخراجها، وسبقت إلى جوفه مع الريق دون قصد، فلا يفطر باتفاق الفقهاء، نظرًا لصعوبة تجنبها. وهذا يتماشى مع القاعدة الفقهية المستندة إلى قول الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» [متفق عليه].

2.أما إذا كانت بقايا الطعام كبيرة بحيث يمكن تمييزها وإخراجها لكن تعمد الصائم ابتلاعها، ففي هذه الحالة يفطر، لأن الصيام يقوم على الامتناع عن دخول أي طعام أو شراب إلى الجوف عمدًا، وبالتالي فإن من يبتلع الطعام بإرادته يكون قد أفسد صيامه.

حكم من جرت بقايا الطعام في حلقه دون قصد

بناءً على ما سبق، أكدت دار الإفتاء أن الرجل الذي ورد في السؤال، والذي جرت في حلقه بقايا طعام يسيرة دون قصد منه لابتلاعها، لا يفسد صومه، لأن ذلك خارج عن إرادته، وهذا يدخل ضمن الأمور التي عفا عنها الشرع، حيث لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.

حكم تنظيف الأسنان أثناء الصيام

أشارت دار الإفتاء إلى أن تنظيف الأسنان أثناء الصيام باستخدام السواك أو فرشاة الأسنان لا يفسد الصيام، لكن يجب الحذر من دخول أي أثر للمعجون أو الماء إلى الجوف، فإن حصل ذلك عن غير قصد فلا يفطر، أما إذا تم إدخال الماء أو المعجون عمدًا إلى الحلق، فإنه يبطل الصيام.

وأوضحت أن استعمال السواك مستحب أثناء الصيام، حيث ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يستخدمه في نهار رمضان، وقال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» [متفق عليه].

نصائح للصائمين للحفاظ على صحة صيامهم

للحفاظ على صحة الصيام وتجنب أي شكوك، يُنصح الصائمون باتباع بعض الإرشادات، ومنها:

تنظيف الأسنان بعد السحور بشكل جيد باستخدام السواك أو الفرشاة والمعجون، مع الحذر من وصول المعجون إلى الحلق.

المضمضة بعد تنظيف الأسنان لإزالة أي بقايا طعام قد تبقى في الفم.

عدم المبالغة في المضمضة أثناء الوضوء لتجنب وصول الماء إلى الجوف، وهو أمر قد يفسد الصيام إذا كان متعمدًا.

الحرص على شرب كميات كافية من الماء قبل الفجر، لأن جفاف الفم قد يؤدي إلى تحلل بقايا الطعام بسهولة مع الريق.

تجنب تناول الأطعمة التي تلتصق بالأسنان خلال السحور مثل الحلوى والخبز الأبيض، حيث إن بقاياها قد تظل عالقة لفترة طويلة.

أكدت دار الإفتاء المصرية أن ابتلاع بقايا الطعام العالقة بين الأسنان أثناء الصيام لا يفسد الصيام إذا كان ذلك غير مقصود، خاصةً إذا كانت الكمية قليلة بحيث لا يمكن الاحتراز منها، أما إذا كانت الكمية كبيرة وكان الصائم قادرًا على إخراجها لكنه تعمد ابتلاعها فإن ذلك يفسد صومه، كما أوضحت أن تنظيف الأسنان أثناء الصيام مشروع ولا يفسد الصوم، بشرط تجنب دخول المعجون أو الماء إلى الجوف عمدًا.

لذلك فإن الصائم عليه أن يكون حريصًا على نظافة فمه بعد السحور، وفي الوقت نفسه لا يقع في وسوسة زائدة بشأن الأمور التي يصعب الاحتراز منها، لأن الإسلام دين يُسر، وقد رفع الله عن عباده الحرج في أمور يصعب تجنبها تمامًا.