أفلام وطنية.. جسدت بطولات الجيش المصري في عيد تحرير سيناء

في كل عام، ومع حلول ذكرى عيد تحرير سيناء، يستعيد المصريون مشاعر الفخر والاعتزاز بتاريخ طويل من البطولات والتضحيات التي خاضها رجال الجيش المصري البواسل من أجل تحرير الأرض واستعادة الكرامة الوطنية، وتُعد هذه المناسبة فرصة ذهبية للوقوف عند أهم محطات الكفاح، ليس فقط عبر الكتب والمراجع التاريخية، بل أيضًا من خلال الأعمال الفنية، وخاصة السينمائية، التي وثّقت تلك الحقبة المجيدة بكل ما فيها من ألم وأمل.
لقد نجحت السينما المصرية في تحويل «عيد تحرير سيناء» إلى مناسبة نابضة بالحياة من خلال عدّة أفلام وطنية تناولت تفاصيل دقيقة من نكسة يونيو 1967، مرورًا بحرب الاستنزاف، وصولًا إلى نصر السادس من أكتوبر 1973، هذه الأفلام ليست مجرد أعمال درامية، بل هي شهادات فنية حيّة تخلّد بطولات شهدائنا وتُعرّف الأجيال الجديدة بمعنى الوطنية الحقيقية.
«الممر».. دراما ميدانية عن الاستنزاف والتحضير للانتصار
فيلم «الممر»، الذي أُنتج عام 2019، يُعد من أبرز أفلام السينما المصرية التي تناولت «حرب الاستنزاف» بعد نكسة 1967، أخرجه شريف عرفة، وشارك في بطولته نخبة من النجوم أبرزهم أحمد عز، أحمد رزق، هند صبري، محمد فراج، ومحمد الشرنوبي، وقد تميّز الفيلم بإنتاج ضخم وإخراج عالي الجودة جعله يحصد إشادة نقدية وجماهيرية واسعة.
يروي الفيلم قصة مجموعة من جنود الصاعقة المصرية الذين كُلّفوا بمهمة تنفيذ عملية نوعية داخل عمق سيناء المحتلة، ويُسلط الضوء على المعاناة التي مر بها الجيش في تلك الفترة، إلى جانب روح التحدي والإصرار على الانتقام واستعادة الأرض، ويُبرز «الممر» في سياقه الوطني ارتباطه الوثيق بـ«عيد تحرير سيناء» حيث يُعد توثيقًا دراميًا دقيقًا للمرحلة التي سبقت الحرب.
«الرصاصة لا تزال في جيبي».. أيقونة التحرير
يحتل فيلم «الرصاصة لا تزال في جيبي» مكانة خاصة في ذاكرة المصريين، كونه من أولى الأعمال التي عُرضت بعد انتصار أكتوبر، وتحديدًا عام 1974، الفيلم من بطولة الراحل محمود ياسين، نجوى إبراهيم، حسين فهمي، يوسف شعبان، وسعيد صالح، اعتمد الفيلم على سرد واقعي مستوحى من يوميات الجنود المصريين خلال الحرب، كما تناول التحديات التي واجهوها على المستويين النفسي والبدني.
يجسّد العمل حالة التحوّل التي مر بها المجتمع المصري، من الشعور بالهزيمة إلى استعادة الكرامة، ما يجعله مرتبطًا بشكل مباشر بـ«عيد تحرير سيناء» كونه يُوثق واحدة من أبرز مراحل الكفاح المسلح في التاريخ المعاصر، وقد ساهم هذا الفيلم في ترسيخ صورة الجندي المصري القوي، الصبور، والمصمم على النصر مهما كانت التحديات.
«الطريق إلى إيلات».. التخطيط المحكم والعمل الفدائي
ينقلنا فيلم «الطريق إلى إيلات» إلى عالم العمليات الخاصة في عمق العدو، وهو من الأفلام القليلة التي تناولت بطولات القوات البحرية المصرية، وتحديدًا وحدة الضفادع البشرية، أُنتج الفيلم عام 1993، وأخرجه إنعام محمد علي، وقام ببطولته صلاح ذو الفقار، نبيل الحلفاوي، وعزت العلايلي.
تدور أحداث الفيلم حول واحدة من أنجح العمليات الفدائية التي تم تنفيذها عام 1969، حيث نجح أبطال البحرية في تدمير السفينتين "بيت شيفع" و"بيت يام" داخل ميناء إيلات الإسرائيلي. ويُعد الفيلم من الأعمال المُحفّزة التي تُعرض سنويًا في ذكرى عيد تحرير سيناء لما يحمله من رسائل فخر وشجاعة ودقة في الأداء.
«العمر لحظة».. البعد الإنساني في الحرب
يُقدم فيلم «العمر لحظة» نظرة مختلفة للحرب، حيث يُسلط الضوء على الجانب الإنساني والنفسي من خلال قصة صحفية تُدعى نعمت (جسدتها ماجدة) تسعى لتغطية أخبار الجنود المصريين على الجبهة، الفيلم من إنتاج عام 1978، ويُعد من أوائل الأفلام التي تناولت التفاعل الشخصي والمشاعر اليومية للجنود بعيدًا عن ساحة المعركة.
استعرض الفيلم علاقات الجنود ببعضهم البعض، ومشاعر الخوف والحنين للأهل، وأثر الحرب على حياتهم العاطفية والشخصية. وقد نال هذا العمل إشادة واسعة نظرًا لتناوله جانبًا مختلفًا من الحرب، لا يقل أهمية عن المعارك نفسها، ويُعاد عرض الفيلم دائمًا في عيد تحرير سيناء باعتباره توثيقًا دراميًا نادرًا للحياة خلف خطوط النار.
الفن يوثق المجد ويُخلّد الأبطال
في ذكرى عيد تحرير سيناء، لا بد من التأكيد على أهمية الفن والسينما كوسائل فعالة في حفظ الذاكرة الوطنية وتوثيق البطولات، فكل عمل سينمائي تناول هذه المرحلة يُعد قطعة من التاريخ، وصوتًا ينطق باسم الجنود الذين رووا الأرض بدمائهم.
الاستمرار في عرض هذه الأفلام الوطنية في المدارس، والجامعات، والفضائيات، هو مسؤولية ثقافية يجب أن نتمسك بها، لتعريف الشباب بتاريخ بلدهم، وتعزيز الانتماء والولاء الوطني في نفوسهم. وفي ظل التطورات التكنولوجية، يمكن أيضًا إعادة إنتاج مثل هذه الأعمال بصيغ جديدة تُناسب الجيل الرقمي، وتحمل رسائل «عيد تحرير سيناء» إلى المستقبل.