النقد الدولي: التوترات الجيوسياسية تعرقل جهود تعافي الاقتصاد فى العالم
في ظل التحديات الاقتصادية العالمية المتزايدة ألقت كريستالينا جورجييفا، المدير العام لصندوق النقد الدولي، خطابًا اليوم الخميس تناولت فيه التحديات الكبيرة التي واجهها الاقتصاد العالمي خلال السنوات الخمس الماضية.
وقد جاء هذا الخطاب في إطار التحضير للاجتماعات المرتقبة لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية من مختلف أنحاء العالم، تطرق خطابها إلى الأزمات الاقتصادية والسياسية التي أثرت بشكل كبير على دول العالم، مع التركيز على أهمية التعاون الدولي في التغلب على هذه التحديات.
الأزمات العالمية وتأثيرها
ذكرت جورجييفا في خطابها الأزمات المتعددة التي هزت العالم وأثرت على اقتصادات الدول، فمنذ توليها منصب المدير العام لصندوق النقد الدولي، شهد العالم العديد من الأزمات، بدءًا من جائحة كوفيد-19 التي ألحقت أضرارًا كبيرة بالاقتصادات، وصولًا إلى الحروب التي نشبت في أوكرانيا والشرق الأوسط.
وأشارت إلى أن الأزمات لم تقتصر فقط على الحروب والأوبئة، بل شملت أيضًا أزمة تكلفة المعيشة العالمية التي تفاقمت نتيجة لارتفاع أسعار الغذاء والطاقة.
وقالت: "الأسر تعاني، والمواطنون يعتريهم الغضب، وقد شهدت الاقتصادات المتقدمة ارتفاعات في معدلات التضخم لا تتكرر في جيل واحد". هذا التصريح يعكس مدى القلق الذي تشعر به الحكومات والمواطنون على حد سواء، حيث تتزايد الأعباء المالية على الأسر، مما يزيد من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية.
تراجع الموجة التضخمية
على الرغم من الأزمات المتلاحقة، أعلنت جورجييفا أن هناك بعض الأخبار الإيجابية، وهي تراجع الموجة التضخمية العالمية.
وذكرت أن هذا التراجع أدى إلى استقرار الأسعار في بعض الأسواق، وأوضحت أن هذا التقدم جاء نتيجة السياسات النقدية الحازمة التي تبنتها الحكومات، بالإضافة إلى تحسن سلاسل الإمداد وتراجع أسعار الغذاء والطاقة.
وأكدت أن النجاح في خفض التضخم لم يكن على حساب حدوث ركود اقتصادي أو فقدان كبير للوظائف، وهو إنجاز كبير بالنظر إلى التجارب السابقة.
وأشارت إلى أن العديد من الدول تمكنت من تحقيق استقرار نسبي في اقتصاداتها، مما يعد تحولًا إيجابيًا في سياق الأزمات المتكررة.
استمرار التحديات الاقتصادية
رغم التقدم الملحوظ، أكدت جورجييفا أن الأزمات لا تزال قائمة وأنه لا يمكن الاحتفال بالنجاح بشكل كامل. فقد استمرت الأسعار المرتفعة في التأثير بشكل كبير على حياة الأسر في جميع أنحاء العالم.
وذكرت أن ارتفاع التضخم كان قاسيًا بشكل خاص على الفقراء، خاصة في البلدان منخفضة الدخل، حيث كانت الأسر الأكثر عرضة لتداعيات هذه الأزمات.
كما تناولت الوضع الجيوسياسي المتأزم، مشيرة إلى استمرار الحرب في أوكرانيا واندلاع صراعات جديدة في الشرق الأوسط.
وعبّرت عن قلقها إزاء اتساع رقعة الصراع ودوره المحتمل في زعزعة استقرار اقتصادات المنطقة وأسواق النفط والغاز العالمية، مما قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية.
القضايا الاقتصادية طويلة الأمد
ركزت جورجييفا على القضايا الاقتصادية طويلة الأمد التي تواجه العالم، مثل ارتفاع الدين العام وتباطؤ النمو الاقتصادي. وأوضحت أن هذه القضايا تمثل تحديات كبيرة، حيث إن ارتفاع الدين العام خاصة في الدول منخفضة الدخل يجعل من الصعب على الحكومات تلبية احتياجاتها الاستثمارية وتقديم الخدمات الأساسية لمواطنيها.
وقالت: "ماذا يعني ذلك بالنسبة للحيز المالي؟ للإجابة عن هذا السؤال، فلننظر إلى نسبة الإيرادات الحكومية المستهلكة في سداد مدفوعات الفائدة". وأشارت إلى أن هذه النسبة تمثل نقطة التقاء الدين المرتفع، وأسعار الفائدة المرتفعة، والنمو المنخفض.
أشارت جورجييفا إلى التغيرات الكبيرة التي تشهدها العلاقات الاقتصادية الدولية، مؤكدة أن العديد من الدول بدأت تنجرف نحو السياسات الحمائية وتجاهل التعددية التي كانت تدفع النمو العالمي. وقالت: "نحن نعيش في عالم متشرذم، تنعدم فيه الثقة، وبات فيه الأمن القومي على رأس اهتمامات العديد من البلدان".
هذا التوجه نحو الحمائية يعكس تراجع الثقة في التعاون الدولي وقد ينعكس سلبًا على النمو الاقتصادي العالمي، حيث أصبحت الدول أكثر حرصًا على حماية مصالحها الوطنية على حساب التعاون التجاري والدولي.
شددت جورجييفا على أن التعاون الدولي هو الحل الأمثل للخروج من الأزمات الحالية. وأكدت على ضرورة تعزيز المؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي، التي تمثل ركيزة لهذا التعاون.
حلول مستقبلية وتوجهات إيجابية
فيما يتعلق بالمستقبل، قدمت جورجييفا بعض الحلول التي يمكن أن تساعد في تجاوز الأزمات الاقتصادية. دعت إلى تعزيز التعاون في مجالات التجارة والذكاء الاصطناعي والتغير المناخي، مؤكدة على أهمية الإصلاحات المحلية والدولية. وذكرت أن الإصلاحات ليست سهلة، ولكنها ضرورية لضمان استدامة النمو الاقتصادي.
كما شددت على ضرورة تحسين السياسات المالية وتخفيض الديون، قائلة: "نحتاج إلى سياسات مالية مستدامة لضمان قدرة الحكومات على تلبية احتياجات مواطنيها".
اختتمت جورجييفا حديثها بالتأكيد على التزام صندوق النقد الدولي بمواصلة دعم الدول الأعضاء. وأوضحت أن الصندوق قدم أكثر من تريليون دولار كمساعدات مالية خلال فترة ولايتها، وذلك في إطار جهوده لمساعدة الدول في التغلب على الأزمات الاقتصادية التي تواجهها.
ودعت في ختام خطابها إلى عدم الاستسلام للتحديات الحالية، بل العمل معًا لتحقيق مستقبل أفضل. وأكدت: "رسالتي اليوم أن بإمكاننا تحقيق الأفضل.. التنبؤات ليست قدرًا محتوماً".